يا أبا القاسم لقد علمت ما هذه بأرض الأنبياء فإن أرض الأنبياء الشام ، وهي الأرض المقدسة ، وكان بها إبراهيم والأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فإن كنت نبيا مثلهم فأت الشام ، وإنما يمنعك من الخروج إليها مخافتك الروم ، وإن الله سيمنعك من الروم إن كنت رسوله ، فعسكر النبي صلىاللهعليهوسلم على ثلاثة أميال من المدينة. وفي رواية : إلى ذي الحليفة حتى يجتمع إليه أصحابه ويخرج ، فأنزل الله هذه الآية و (الْأَرْضِ) هاهنا هي المدينة.
وقال مجاهد وقتادة : الأرض أرض مكة. والآية مكية ، همّ المشركون أن يخرجوه منها فكفّهم الله عنه حتى أمره بالهجرة ، فخرج بنفسه [ومعه صاحبه أبو بكر رضي الله عنه](١). وهذا أليق بالآية لأن ما قبلها خبر عن أهل مكة والسورة مكية. وقيل : همّ الكفار كلهم أرادوا أن يستفزوه من أرض العرب باجتماعهم وتظاهرهم عليه ، فمنع الله عزوجل رسوله صلىاللهعليهوسلم ولم ينالوا منه ما أملوه ، والاستفزاز هو الإزعاج بسرعة ، (وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ) أي : بعدك ، قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص ويعقوب «خلافك» اعتبارا بقوله تعالى : (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ) [التوبة : ٨١] ، ومعناهما واحد. (إِلَّا قَلِيلاً) أي : لا يلبثون بعدك إلا قليلا حتى يهلكوا ، فعلى القول الأول مدة (٢) حياتهم ، وعلى الثاني ما بين خروج النبي صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة إلى أن قتلوا ببدر.
(سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً (٧٧) أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (٧٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (٧٩))
قوله عزوجل : (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا) أي : كسنتنا ، فانتصب بحذف الكاف ، وسنة الله في الرسل إذا كذبتهم الأمم أن لا يعذبهم ما دام نبيهم بين أظهرهم ، فإذا خرج نبيهم من بين أظهرهم عذبهم. (وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً) ، أي تبديلا.
قوله : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) ، اختلفوا في الدلوك روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال : الدلوك هو الغروب ، وهو قول إبراهيم النخعي ومقاتل بن حيان (٣) والضحاك والسدي ، وقال ابن عباس وابن عمر وجابر : هو زوال الشمس ، وهو قول عطاء وقتادة ومجاهد والحسن وأكثر التابعين ، ومعنى اللفظ يجمعهما لأن أصل الدلوك الميل ، والشمس تميل إذا زالت أو غربت ، والحمل على الزوال أولى القولين لكثرة القائلين به ، ولأنا إذا حملناه عليه كانت الآية جامعة لمواقيت الصلاة كلها ، فدلوك الشمس يتناول صلاة الظهر والعصر ، وإلى غسق الليل يتناول المغرب والعشاء ، والقرآن الفجر هو صلاة الصبح ، قوله عزوجل : (إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) أي : ظهور ظلمته ، وقال ابن عباس : بدوّ الليل. وقال قتادة : وقت صلاة المغرب. وقال مجاهد : غروب الشمس ، (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) ، يعني صلاة الفجر ، سمي صلاة الفجر قرآنا لأنها لا تجوز إلا بقرآن ، وانتصاب قرآن (٤) من وجهين أحدهما أنه عطف على الصلاة ، أي : وأقم قرآن الفجر ، قاله الفراء ، وقال أهل البصرة : على الإغراء أي وعليك قرآن الفجر ، (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) ، أي : تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «حده».
(٣) تصحف في المخطوط «حبان».
(٤) في المطبوع «القرآن».