يدر الصائم متى يفطر ولم يدر وقت الحج ولا وقت حلول الآجال ولا وقت السكون والراحة. (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً).
(وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (١٣) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (١٤) مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (١٥) وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (١٦))
قوله عزوجل : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) ، قال ابن عباس : عمله وما قدر عليه فهو ملازمه أينما كان. وقال الكلبي ومقاتل : خيره وشره معه لا يفارقه حتى يحاسب (١) به. وقال الحسن : يمنه وشؤمه. وعن مجاهد : ما من مولود إلا وفي عنقه ورقة مكتوب فيها شقي أو سعيد.
وقال أهل المعاني : أراد بالطائر ما قضى الله عليه أنه عامله وما هو صائر إليه من سعادة أو شقاوة وسمي طائر على عادة العرب فيما كانت تتفاءل وتتشاءم به من سوانح الطير وبوارحها (٢).
وقال أبو عبيدة والقتيبي : أراد بالطائر حظه من الخير والشر من قولهم طار سهم فلان بكذا وكذا ، وخص العنق من بين سائر الأعضاء لأنه موضع القلائد والأطواق وغيرهما مما يزين أو يشين ، فجرى كلام العرب بتشبيه الأشياء اللازمة إلى الأعناق ، (وَنُخْرِجُ لَهُ) ، يقول الله تعالى ونحن نخرج له ، (يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً) ، وقرأ الحسن ومجاهد ويعقوب ويخرج له بفتح الياء وضم الراء ، معناه : ويخرج له الطائر يوم القيامة كتابا. وقرأ أبو جعفر يخرج بالياء وضمها وفتح الراء ، (يَلْقاهُ) ، قرأ ابن عامر وأبو جعفر (يَلْقاهُ) بضم الياء وفتح اللام وتشديد القاف ، يعني : يلقي الإنسان ذلك الكتاب ، أي : يؤتاه. وقرأ الباقون بفتح الياء وتخفيف [القاف](٣) أي يراه (مَنْشُوراً) ، وفي الآثار : أن الله تعالى يأمر الملك بطي الصحيفة إذا تمّ عمر العبد فلا تنشر إلا في يوم القيامة.
(اقْرَأْ كِتابَكَ) ، أي : يقال له اقرأ كتابك ، قوله تعالى : (كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) ، محاسبا. قال الحسن : لقد عدل عليك من جعلك حسيب نفسك. قال قتادة : سيقرأ يومئذ (٤) من لم يكن قارئا في الدنيا.
(مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) ، لها ثوابه ، (وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) ، لأن عليها عقابه ، (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) ، أي : لا تحمل حاملة حمل أخرى من الآثام ، أي : لا يؤخذ أحد بذنب أحد. (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) ، إقامة للحجة وقطعا للعذر ، وفيه دليل على أن ما وجب [وجب بالسمع](٥) لا بالعقل.
(وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها) ، قرأ مجاهد : «أمرنا» بالتشديد أي : سلطنا شرارها فعصوا وقرأ الحسن وقتادة ويعقوب (أَمَرْنا) بالمد ، أي : أكثرنا. وقرأ الباقون [مقصورا مخففا](٦) ، أي : أمرناهم بالطاعة فعصوا ، ويحتمل أن يكون معناه جعلناهم أمراء ويحتمل أن تكون بمعنى أكثرنا ، يقال : أمرهم الله أي كثرهم الله.
__________________
(١) في المطبوع «يحاسبه».
(٢) في المخطوط «جوارحها».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المخطوط «اليوم».
(٥) العبارة في المخطوط «بالقطع والسمع».
(٦) العبارة في المطبوع «بالقصر مختلفا».