الكتاب (١) أنهم سيفسدون ، والقضاء على وجوه يكون أمرا كقوله : (وَقَضى رَبُّكَ) [الإسراء : ٢٣] ، ويكون حكما كقوله (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ) [يونس : ٩٣] ويكون خلقا كقوله : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) [فصلت : ١٢] ، وقال ابن عباس وقتادة : يعني وقضينا عليهم ، فإلى [هاهنا](٢) بمعنى على ، والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ. (لَتُفْسِدُنَ) [اللام](٣) لام القسم مجازه والله لتفسدن ، (فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ) ، بالمعاصي ، والمراد بالأرض أرض الشام وبيت المقدس ، (وَلَتَعْلُنَ) ، ولتستكبرن ولتظلمن الناس ، (عُلُوًّا كَبِيراً) [أي استكبارا وظلما كبيرا](٤).
(فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً (٥) ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (٦) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً (٧))
(فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما) ، يعني أولى مرتين ، قال قتادة : إفسادهم في المرة الأولى ما خالفوا من أحكام التوراة وركوب المحارم. وقال محمد بن إسحاق : إفسادهم في المرة الأولى قتل شعياء بين الشجرة وارتكابهم المعاصي. (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا) ، قال قتادة : يعني جالوت الخزري وجنوده ، وهو الذي قتله داود [وذكرنا قصته في البقرة](٥). وقال سعيد بن جبير : يعني سنحاريب من أهل نينوى. وقال ابن إسحاق : بختنصر البابلي وأصحابه ، وهو الأظهر. (أُولِي بَأْسٍ) ، ذوي بطش (شَدِيدٍ) ، في الحرب ، (فَجاسُوا) ، أي : فطافوا وداروا ، (خِلالَ الدِّيارِ) ، وسطها يطلبونكم ويقتلونكم ، والجوس طلب الشيء بالاستقصاء. قال الفراء : جاسوا قتلوكم بين بيوتكم. (وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً) ، قضاء كائنا لا خلف فيه.
(ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ) ، يعني : الرجعة والدولة ، (عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) ، عددا ، أي : من ينفر معهم وعاد البلد أحسن مما كان.
(إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ) ، أي : لها ثوابها ، (وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) ، أي : فعليها [عقاب الإساءة](٦) ، كقوله تعالى : (فَسَلامٌ لَكَ) [الواقعة : ٩١] أي : عليك. وقيل : فلها الجزاء والعقاب ، (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) أي : المرة الأخيرة من إفسادكم وذلك قصدهم قتل عيسى عليهالسلام حين رفع وقتلهم يحيى بن زكريا عليهماالسلام ، فسلط الله عليهم الفرس والروم ، خردوش وطيطوس حتى قتلوهم وسبوهم ونفوهم عن ديارهم ، فذلك قوله تعالى : (لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ) ، أي : تحزن وجوهكم وسوء الوجه بإدخال الغم والحزن قرأ الكسائي ويعقوب : لنسوء بالنون وفتح الهمزة على التعظيم ، كقوله : (وَقَضَيْنا) [الحجر : ٦٦] (وَبَعَثْنا) [المائدة : ١٢] وقرأ ابن عامر وحمزة وأبو بكر بالياء وفتح الهمزة [على التوحيد](٧) ، أي : ليسوء الله وجوهكم ، وقيل : ليسوء الوعد وجوهكم ، وقرأ الباقون بالياء وضم الهمزة
__________________
(١) في المطبوع «الكتب».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) زيد في المطبوع.