يندمل ، إنّما زعمتم خوف الفتنة (أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ) (١) ، ثمّ لم تلبثوا حيث تسرون حسوا في ارتغاء ، ونصبر منكم على مثل حز المدى ، وأنتم تزعمون أن لا إرث لنا ، (أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (٢) ، يا معشر المسلمين ، أأبتز إرث أبي؟! أبى الله أن ترث أباك ولا أرث أبي! لقد جئت شيئا فريّا ، فدونكها مرحولة مخطومة ، تلقاك يوم حشرك ، فنعم الحكم الله ، والزعيم محمّد ، والموعد القيامة ، وعند الساعة يخسر المبطلون.
ثمّ انكفأت إلى قبر أبيها تقول :
قد كان بعدك أنباء وهنبثة |
|
لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب |
إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها |
|
واختل قومك فاشهدهم فقد نكبوا |
فلمّا فرغت من مقالتها ، حمد الله أبو بكر وصلى على نبيّه ثمّ قال : يا خير النساء ، ويا ابنة خير الأنبياء ، والله ما تجاوزت رأي أبيك رسول الله ، ولا خالفت أمره ، إنّ الرائد لا يكذب أهله ، إنّي أشهد الله وكفى به شهيدا أنّي سمعت رسول الله يقول : «إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث ذهبا ولا فضة ولا دارا ولا عقارا ، وإنّما نورّث الكتاب والحكمة والنبوة». (٣)
__________________
(١) سورة التوبة ، الآية ٤٩.
(٢) سورة المائدة ، الآية ٥٠.
(٣) بقيّة الحديث مزيدة ، ففي السند شرقي بن قطامي ، طعن فيه ابن حجر في ميزان الاعتدال (ج ٢ ، ص ٢٦٨) ، وقال : ضعّفه ابن زكريا الساجي ، وذكره ابن عدي في كامله.
وقد روى البخاري في صحيحه (ج ٨ ، كتاب الفرائض ، باب قول النبيّ صلىاللهعليهوآله لا نورّث ، ص ٣) : أنّ فاطمة عليهاالسلام هجرت أبا بكر ولم تكلّمه حتّى توفيت.
كما روى هذه الخطبة ـ بغير الزيادة ـ أبو الفضل ابن طيفور في بلاغات النساء (ص ١٢ ، ص ١٤). وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (ج ١٦ ، ص ٢١١).