الدجى ، وداعيا إلى المحجة العظمى ، ومستمسكا بالعروة الوثقى ، وساميا إلى الغاية القصوى ، وعالما بما في الصحف الاولى ، وعاملا بطاعة الملك الأعلى ، وعارفا بالتأويل والذكرى ، ومتعلّقا بأسباب الهدى ، وحائدا عن طرقات الردى ، وساميا إلى المجد والعلى ، وقائما بالدين والتقوى ، وسيّد من تقمّص وارتدى بعد النبيّ المصطفى ، وأفضل من صام وصلّى ، وأفضل من ضحك وبكى ، وصاحب القبلتين ، فهل يساويه مخلوق يكون أو كان ، كان والله ، للأسد قاتلا ، ولهم في الحرب حائلا ، على مبغضيه لعنة الله ولعنة العباد إلى يوم التناد. (١)
٢٤٦. ابن مردويه ، عن ضرار نحو حديث ابن عباس في مدح عليّ بن أبي طالب ، أو أبلغ من ذلك. (٢)
__________________
(١) الطرائف ، ص ٥٠٧.
(٢) نفس المصدر ، ص ٥٠٨.
روى حديث ضرار عدد غفير من أئمة الحديث والأدب ، منهم : أبو عليّ القالي في أماليه (ج ٢ ، ص ١٤٣) ، وابن عبد البر في الإستيعاب المطبوع بهامش الإصابة (ج ٣ ، ص ٤٤) ، والزمخشري في ربيع الأبرار (ج ١ ، ص ٨٣٥) ، وأبو نعيم في حلية الأولياء (ج ١ ، ص ٨٤) ، واللفظ له ، قال : دخل ضرار بن ضمرة الكناني على معاوية ، فقال له : صف لي عليّا. فقال : أو تعفيني يا أمير المؤمنين ، قال : لا أعفيك. قال : أما إذا لا بد فإنّه كان والله ، بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول فصلا ، ويحكم عدلا ، يتفجر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة من نواحيه ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويستأنس بالليل وظلمته ، كان والله ، غزير العبرة ، طويل الفكرة ، يقلّب كفّه ، ويخاطب نفسه ، يعجبه من اللباس ما قصر ، ومن الطعام ما جشب ، كان والله كأحدنا ، يدنينا إذا أتيناه ، ويجيبنا إذا سألناه ، وكان مع تقرّبه إلينا وقربه منّا لا نكلمه هيبة له ، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم ، يعظّم أهل الدين ويحب المساكين ، لا يطمع القوي في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله ، فأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله ، وغارت نجومه ، يميل في محرابه قابضا على لحيته ، يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، فكأني أسمعه الآن وهو يقول : يا ربّنا يا ربّنا ـ يتضرع إليه ـ ثمّ يقول للدنيا : إليّ تغرّرت ، إليّ تشوّفت ، هيهات هيهات ، غرّي غيري ، قد بتتك ثلاثا ، فعمرك قصير ، ومجلسك حقير ، وخطرك يسير ، آه آه من قلّة الزاد ، وبعد السفر ، ووحشة الطريق.
فوكفت دموع معاوية على لحيته ما يملكها ، وجعل ينشّفها بكمّه ، وقد اختنق القوم بالبكاء. فقال : كذا كان أبو حسن رحمهالله! كيف وجدك عليه يا ضرار؟ قال : وجد من ذبح واحدها في حجرها ، لا ترقأ دمعتها ، ولا يسكن حزنها. ثمّ قام فخرج.