القوم رملة ، فبعث الله المطر عليها فلبدها حتّى اشتدت وثبّت عليها الأقدام ، ونفر النبيّ صلىاللهعليهوسلم بجميع المسلمين وهم يومئذ ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، منهم سبعون ومائتان من الأنصار ، وسائرهم من المهاجرين.
وسيّد المشركين يومئذ عتبة بن ربيعة ـ لكبر سنّه ـ ، فقال عتبة : يا معشر قريش ، إنّي لكم ناصح ، وعليكم مشفق ، لا أدخر النصيحة لكم بعد اليوم ، وقد بلغتم الّذي تريدون ، وقد نجا أبو سفيان فارجعوا ، وأنتم سالمون ، فإن يكن محمّد صادقا فأنتم أسعد الناس بصدقه ، وإن يك كاذبا فأنتم أحق من حقن دمه.
فالتفت إليه أبو جهل فشتمه وفج وجهه وقال له : قد امتلأت أحشاؤك رعبا.
فقال له عتبة : سيعلم اليوم من الجبان المفسد لقومه! فنزل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة حتّى إذا كانوا قرب أسنّة المسلمين قالوا : ابعثوا إلينا عدتنا منكم نقاتلهم ، فقام غلمة بني الخزرج ، فأجلسهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم ثمّ قال : «يا بني هاشم أتبعثون إلى أخويكم ـ والنبيّ منكم ـ غلمة بني الخزرج؟» فقام حمزة بن عبد المطلب وعليّ بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث ، فمشوا إليهم في الحديد.
فقال عتبة : تكلّموا نعرفكم ، فان تكونوا أكفاءنا نقاتلكم ، فقال حمزة رضي الله عنه : أنا أسد الله وأسد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال له عتبة : كفؤ كريم ، فوثب إليه شيبة فاختلفا ضربتين فضربه حمزة فقتله ، ثمّ قام عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الوليد بن عتبة ، فاختلفا ضربتين فضربه عليّ رضي الله عنه فقتله. ثمّ قام عبيدة فخرج إليه عتبة ، فاختلفا ضربتين فجرح كل واحد منهما صاحبه ، وكرّر حمزة على عتبة فقتله.
فقام النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : «اللهمّ ربّنا ، أنزلت عليّ الكتاب وأمرتني بالقتال ووعدتني النصر ولا تخلف الميعاد» ، فأتاه جبريل عليهالسلام فأنزل عليه : (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ) (١) ، فأوحى الله إلى الملائكة
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية ١٢٤.