(تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (٦٣) وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) (٦٥)
يعرفون مقدار النهار برفع الحجب ومقدار الليل بإرخائها ، والرزق بالبكرة والعشي أفضل العيش عند العرب فوصف الله جنته بذلك ، وقيل أراد دوام الرزق كما تقول أنا عند فلان بكرة وعشيّا تريد الدوام.
٦٣ ـ (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا) أي نجعلها ميراث أعمالهم ، يعني ثمرتها وعاقبتها ، وقيل يرثون المساكن التي كانت لأهل النار لو آمنوا ، لأنّ الكفر موت حكما (مَنْ كانَ تَقِيًّا) عن الشرك.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال : (يا جبريل ما منعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا) (١) فنزل :
٦٤ ـ (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) والتنزّل على معنيين : معنى النزول على مهل ، ومعنى النزول على الإطلاق ، والأول أليق هنا ، يعني أنّ نزولنا في الأحايين وقتا غبّ وقت ليس إلا بأمر الله (لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) أي له ما قدّامنا وما خلفنا من الأماكن وما نحن فيها فلا نتمالك أن ننتقل من مكان إلى مكان إلا بأمر الملك ومشيئته ، وهو الحافظ العالم بكلّ حركة وسكون وما يحدث من الأحوال ، لا تجوز عليه الغفلة والنسيان فأنّى لنا أن نتقلّب في ملكوته إلا إذا أذن لنا فيه؟
٦٥ ـ (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) بدل من ربّك أو خبر مبتدأ محذوف ، أي هو ربّ السماوات والأرض ، ثم قال لرسوله لمّا عرفت أنه متصف بهذه الصفات (فَاعْبُدْهُ) فاثبت على عبادته (وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ) أي اصبر على مكافأة الحسود لعبادة المعبود ، واصبر على المشاق لأجل عبادة الخلّاق ، أي لتتمكن من الإتيان بها (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) شبيها ومثلا ، أو هل يسمّى أحد باسم الله غيره لأنه مخصوص بالمعبود بالحقّ ، أي إذا صح أن لا معبود يوجّه إليه العباد العبادة إلا هو وحده لم يكن بدّ من عبادته والاصطبار على مشاقّها.
__________________
(١) الطبري من طريق محمد بن سعد ، ومحمد بن معمر عن ابن عباس رضي الله عنهما.
تفسير النسفي ج ٣ / م ٥