(وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (٤٤) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٥) قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) (٤٦)
وقالوا ، والعدول عنه دليل على إنكار عظيم وغضب شديد (لِلْحَقِ) للقرآن أو لأمر النبوة كلّه (لَمَّا جاءَهُمْ) وعجزوا عن الإتيان بمثله (إِنْ هذا) أي الحقّ (إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) بتّوه على أنه سحر ، ثم بتّوه على أنه بيّن ظاهر ، كلّ عاقل تأمله سمّاه سحرا.
٤٤ ـ (وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها) أي ما أعطينا مشركي مكة كتبا يدرسونها فيها برهان على صحة الشرك (وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) ولا أرسلنا إليهم نذيرا ينذرهم بالعقاب إن لم يشركوا. ثم توعدهم على تكذيبهم بقوله :
٤٥ ـ (وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي وكذّب الذين تقدّموهم من الأمم الماضية والقرون الخالية الرسل كما كذّبوا (وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ) أي وما بلغ أهل مكة عشر ما أوتي الأولون من طول الأعمار وقوة الأجرام وكثرة الأموال (١) (فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) للمكذّبين الأولين ، فليحذروا من مثله ، وبالياء (٢) في الوصل والوقف يعقوب ، أي فحين كذبوا رسلهم جاءهم إنكاري بالتدمير والاستئصال ولم يغن عنهم استظهارهم بما هم مستظهرون ، فما بال هؤلاء ، وإنما قال فكذّبوا وهو مستغنى عنه بقوله وكذّب الذين من قبلهم لأنه لمّا كان معنى قوله وكذّب الذين من قبلهم وفعل الذين من قبلهم التكذيب وأقدموا عليه جعل تكذيب الرسل مسببا عنه ، وهو كقول القائل أقدم فلان على الكفر فكفر بمحمد صلىاللهعليهوسلم :
٤٦ ـ (قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ) بخصلة واحدة ، فسّرها بقوله (أَنْ تَقُومُوا) على أنه عطف بيان لها ، وقيل هو بدل ، وعلى هذين الوجهين هو في محل الجرّ ، وقيل هو في محلّ الرفع على تقدير هي أن تقوموا ، أو النصب على تقدير أعني ، فأراد بقيامهم القيام عن مجلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتفرّقهم عن مجتمعهم عنده ، أو قيام القصد إلى الشيء دون النهوض والانتصاب ، والمعنى إنما أعظكم بواحدة إن فعلتموها أصبتم
__________________
(١) زاد في (ظ) و (ز) والأولاد.
(٢) أي (نكيري).