(ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (٣٠)
أبدا صبّا لا ينقطع ، والمعنى ولو أنّ أشجار الأرض أقلام والبحر ممدود بسبعة أبحر وكتبت بتلك الأقلام وبذلك المداد كلمات الله لما نفدت كلماته ونفدت الأقلام والمداد ، كقوله : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي) (١) فإن قلت : زعمت أنّ قوله والبحر يمدّه حال في أحد وجهي الرفع وليس فيه ضمير راجع إلى ذي الحال ، قلت : هو كقولك جئت والجيش مصطفّ وما أشبه ذلك من الأحوال التي حكمها حكم الظروف ، وإنما ذكر شجرة على التوحيد لأنه أريد تفصيل الشجر وتقصّيها شجرة شجرة حتى لا يبقى من جنس الشجر ولا واحدة إلّا وقد بريت أقلاما ، وأوثر الكلمات وهي جمع قلة على الكلم وهي جمع كثرة لأنّ معناه أنّ كلماته لا تفي بكتبتها البحار فكيف بكلمه (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) لا يعجزه شيء (حَكِيمٌ) لا يخرج من علمه وحكمته شيء فلا تنفد كلماته وحكمه.
٢٨ ـ (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) إلا كخلق نفس واحدة وبعث نفس واحدة ، فحذف للعلم به ، أي سواء في قدرته القليل والكثير ، فلا يشغله شأن عن شأن (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لقول المشركين إنه لا بعث (بَصِيرٌ) بأعمالهم فيجازيهم.
٢٩ ـ (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ) يدخل ظلمة الليل في ضوء النهار إذا أقبل الليل (وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) لمنافع العباد (كُلٌ) أي كلّ واحد من الشمس والقمر (يَجْرِي) في فلكه ويقطعه (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) إلى يوم القيامة ، أو إلى وقت معلوم ، الشمس إلى آخر السنة والقمر إلى آخر الشهر (وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) وبالياء عبّاس (٢) ، دلّ أيضا بتعاقب الليل والنهار ، وزيادتهما ونقصانهما ، وجري النّيّرين في فلكيهما على تقدير وحساب ، وبإحاطته بجميع أعمال الخلق على عظم قدرته وكمال حكمته.
٣٠ ـ (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ) بالياء عراقي غير أبي بكر (مِنْ
__________________
(١) الكهف ، ١٨ / ١٠٩.
(٢) في (ظ) و (ز) عياش وهو تصحيف عباس.