(وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (١٢) وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (١٣)
(فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) يعني آلهتهم ، بكّتهم بأنّ هذه الأشياء العظيمة مما خلقه الله فأروني ما خلقته آلهتكم حتى استوجبوا عندكم العبادة (بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أضرب عن تبكيتهم إلى التسجيل عليهم بالتورّط في ضلال ليس بعده ضلال.
١٢ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) وهو لقمان ابن باعوراء ابن أخت أيوب أو ابن خالته ، وقيل كان من أولاد آزر وعاش ألف سنة ، وأدرك داود عليهالسلام وأخذ منه العلم ، وكان يفتي قبل مبعث داود عليهالسلام ، فلما بعث قطع الفتوى ، فقيل له ، فقال : ألا أكتفي إذا كفيت ، وقيل كان خياطا ، وقيل نجارا ، وقيل راعيا ، وقيل كان قاضيا في بني إسرائيل ، وقال عكرمة والشعبي : كان نبيا ، والجمهور على أنه كان حكيما ولم يكن نبيا ، وقيل خيّر بين النبوّة والحكمة فاختار الحكمة وهي الإصابة في القول والعمل ، وقيل تتلمذ لألف وتتلمذ له ألف نبي ، وأن في (أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ) مفسرة ، والمعنى أي اشكر لله لأنّ إيتاء الحكمة في معنى القول ، وقد نبه الله تعالى على أنّ الحكمة الأصلية والعلم الحقيقيّ هو العمل بهما ، وعبادة الله والشكر له ، حيث فسّر إيتاء الحكمة بالحثّ على الشكر ، وقيل لا يكون الرجل حكيما حتى يكون حكيما في قوله وفعله ومعاشرته وصحبته ، وقال السري (١) : الشكر أن لا تعصي الله بنعمه ، وقال الجنيد : أن لا ترى معه شريكا في نعمه. وقيل هو الإقرار بالعجز عن الشكر ، والحاصل أنّ شكر القلب المعرفة ، وشكر اللسان الحمد ، وشكر الأركان الطاعة ، ورؤية العجز في الكلّ دليل قبول الكلّ (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) لأنّ منفعته تعود إليه ، فهو يريد المزيد (وَمَنْ كَفَرَ) النّعمة (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌ) غير محتاج إلى الشكر (حَمِيدٌ) حقيق بأن يحمد وإن لم يحمده أحد.
١٣ ـ (وَإِذْ) أي واذكر إذ (قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ) أنعم ، أو أشكم (وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَ) بالإسكان مكي يا بنيّ حفص بفتحه في كلّ القرآن (لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَ
__________________
(١) في (ز) السري السقطي ، والسري هو : سري بن المغلس السقطي ، أبو الحسن ، من كبار المتصوفة وهو خال الجنيد ولد في بغداد ، وتوفي عام ٢٤٦ ه (الأعلام ٣ / ٨٢).