(مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (٨٩) وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٩٠)
مثل مرّ السحاب ، والمعنى أنك إذا رأيت الجبال وقت النفخة ظننتها ثابتة في مكان واحد لعظمها ، وهي تسير سيرا سريعا كالسحاب إذا ضربته الريح ، وهكذا الأجرام العظام المتكاثرة العدد إذا تحركت لا تكاد تتبين حركتها ، كما قال النابغة في صفة جيش :
بأرعن مثل الطود تحسب أنهم |
|
وقوف لحاج والركاب تهملج (١) |
(صُنْعَ اللهِ) مصدر عمل فيه ما دل عليه تمرّ لأن مرورها كمرّ السّحاب من صنع الله ، فكأنه قيل صنع الله ذلك صنعا ، وذكر اسم الله لأنه لم يذكر قبل (الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) أي أحكم خلقه (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ) (٢) مكي وبصري غير سهل ، وأبو بكر غير يحيى ، وغيرهم بالتاء أي أنه عالم بما يفعل العباد فيكافئهم على حسب ذلك. ثم لخص ذلك بقوله :
٨٩ ـ (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ) أي بقول لا إله إلا الله عند الجمهور (فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) أي فله خير حاصل من جهتها أي بسببها (٣) وهو الجنة ، وعلى هذا لا يكون خير بمعنى أفضل ويكون منها في موضع رفع صفة لخير (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ) كوفي أي من فزع شديد مفرط الشدّة ، وهو خوف النار ، أو من فزع ما وإن قلّ ، وبغير تنوين غيرهم (يَوْمَئِذٍ) كوفي ومدني ، وبكسر الميم غيرهم ، والمراد يوم القيامة (آمِنُونَ) أمن يعدّى بالجارّ وبنفسه كقوله : (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ) (٤).
٩٠ ـ (وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ) بالشرك (فَكُبَّتْ) ألقيت (وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) يقال كببت الرجل ألقيته على وجهه ، أي ألقوا على رؤوسهم في النار ، أو عبّر عن الجملة بالوجه كما يعبّر بالرأس والرقبة عنها ، أي ألقوا في النار ويقال لهم تبكيتا عند الكبّ (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) في الدنيا من الشرك والمعاصي.
__________________
(١) تهملج : تذلل (القاموس ١ / ٢١٣).
(٢) في مصحف النسفي : يفعلون بالياء لذلك افتتح بقّرّائها. وفي (ز) اثبتت يفعلون قبل مكي.
(٣) ليس في (ظ) و (ز) أي بسببها ، وإنما زيدت فيهما بعد لخير.
(٤) الأعراف : ٧ / ٩٩.