(فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) (١٩)
واد بالشام كثير النمل ، وعدّي بعلى لأنّ إتيانهم كان من فوق ، فأتى بحرف الاستعلاء (قالَتْ نَمْلَةٌ) عرجاء تسمى «طاخية» أو «منذرة» ، وعن قتادة أنه دخل الكوفة فالتف عليه الناس ، فقال : سلوا عما شئتم ، فسأله أبو حنيفة رضي الله عنه وهو شاب عن نملة سليمان أكانت ذكرا أم أنثى فأفحم ، فقال أبو حنيفة رضي الله عنه كانت أنثى ، فقيل له بما ذا عرفت؟ فقال : بقوله قالت نملة ولو كانت ذكرا لقال قال نملة ، وذلك أنّ النملة مثل الحمامة وفي وقوعها على الذكر والأنثى ، فيميز بينهما بعلامة ، نحو قولهم حمامة ذكر وحمامة أنثى وهو وهي (يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ) ولم يقل ادخلن لأنه لما جعلها قائلة والنمل مقولا لهم كما يكون في أولي العقل ، أجرى خطابهم (١) مجرى خطابهم (لا يَحْطِمَنَّكُمْ) لا يكسرنّكم ، والحطم الكسر وهو نهي مستأنف ، وهو في الظاهر نهي لسليمان عن الحطم ، وفي الحقيقة نهي لهنّ عن البروز والوقوف على طريقة لا أرينّك هاهنا أي لا تحضر هذا الموضع ، وقيل هو جواب الأمر ، وهو ضعيف يدفعه نون التأكيد لأنه من ضرورات الشعر (سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ) قيل أراد لا يحطمنّكم جنود سليمان ، فجاء بما هو أبلغ (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) لا يعلمون بمكانكم ، أي لو شعروا لم يفعلوا ، قالت ذلك على وجه العذر واصفة سليمان وجنوده بالعدل ، فسمع سليمان قولها من ثلاثة أميال.
١٩ ـ (فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها) متعجبا من حذرها واهتدائها لمصالحها ، ونصيحتها للنمل ، أو فرحا لظهور عدله ، وضاحكا حال مؤكدة لأنّ تبسّم بمعنى ضحك ، وأكثر ضحك الأنبياء التبسّم ، كذا قاله الزّجّاج (وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) ألهمني ، وحقيقته كفّني عن الأشياء إلّا عن شكر نعمتك (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَ) من النبوة والملك والعلم (وَعَلى والِدَيَ) لأنّ الإنعام على الوالدين إنعام على الولد (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ) في بقية عمري (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ) أي (٢) وأدخلني الجنة برحمتك لا بصالح عملي ، إذ لا يدخل الجنة أحد إلا برحمته كما جاء في الحديث (فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ) أي في زمرة أنبيائك المرسلين ، أو مع عبادك الصالحين ، روي أنّ النملة أحست بصوت الجنود ولا تعلم أنهم في الهواء ، فأمر سليمان الريح فوقفت
__________________
(١) في (ز) خطابهن.
(٢) ليس في (ز) أي.