(وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ (١٦) يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧) وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٨) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (١٩)
١٦ ـ (وَلَوْ لا) وهلّا (إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا) فصل بين لو لا وقلتم بالظرف لأنّ للظروف شأنا وهو تنزّلها من الأشياء منزلة أنفسها لوقوعها فيها وأنها لا تنفك عنها ، فلذا يتسع فيها ما لا يتسع في غيرها ، وفائدة تقديم الظرف أنه كان الواجب عليهم أن يتفادوا أول ما سمعوا بالإفك عن التكلّم به ، فلما كان ذكر الوقت أهم قدّم ، والمعنى هلّا قلتم إذ سمعتم الإفك ما يصحّ لنا أن نتكلّم بهذا (سُبْحانَكَ) للتعجب من عظم الأمر ومعنى التعجب في كلمة التسبيح أنّ الأصل أن يسبّح الله عند رؤية العجيب من صنائعه ، ثم كثر حتى استعمل في كلّ متعجّب منه ، أو لتنزيه الله من أن تكون حرمة نبيه فاجرة ، وإنما جاز أن تكون امرأة النبي كافرة كامرأة نوح ولوط ولم يجز أن تكون فاجرة لأنّ النبيّ مبعوث إلى الكفارّ ليدعوهم ، فيجب أن لا يكون معه ما ينفّرهم عنه والكفر غير منفّر عندهم ، وأما الكشخنة (١) فمن أعظم المنفرات (هذا بُهْتانٌ) زور يتبهّت من يسمع (عَظِيمٌ) وذكر فيما تقدّم هذا إفك مبين ويجوز أن يكونوا أمروا بهما مبالغة في التّبرّي.
١٧ ـ (يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا) في أن تعودوا (لِمِثْلِهِ) لمثل هذا الحديث من القذف واستماع حديثه (أَبَداً) ما دمتم أحياء مكلّفين (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فيه تهييج لهم ليتّعظوا وتذكير بما يوجب ترك العود ، وهو الإيمان الصادّ عن كلّ قبيح.
١٨ ـ (وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ) الدلالات الواضحات أو أحكام الشرائع والآداب الجميلة (وَاللهُ عَلِيمٌ) بكم وبأعمالكم (حَكِيمٌ) يجزي على وفق أعمالكم ، أو علم صدق نزاهتها وحكم ببراءتها.
١٩ ـ (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا) أي ما قبح جدا ، والمعنى يشيعون الفاحشة عن قصد ، من (٢) الإشاعة ، ومحبة لها (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي
__________________
(١) الكشخنة : الدياثة وعدم الغيرة (الهوريني على هامش القاموس ٤ / ٢٦٣).
(٢) ليس في (ز) من.