(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٤٧) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) (٤٨)
عطّلت أي تركت لا يستقى منها لهلاك أهلها (وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) مجصّص ، من الشيد الجصّ ، أو مرفوع البنيان من شاد البناء رفعه ، والمعنى كم قرية أهلكناها وكم بئر عطّلناها عن سقاتها وقصر مشيد أخليناه عن ساكنيه ، أي أهلكنا البادية والحاضرة جميعا ، فخلت القصور عن أربابها والآبار عن ورّادها (١) ، والأظهر أنّ البئر والقصر على العموم.
٤٦ ـ (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) هذا حثّ على السفر ليروا مصارع من أهلكهم الله بكفرهم ويشاهدوا آثارهم فيعتبروا (فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها) أي يعقلون ما يجب أن يعقل من التوحيد ونحوه ، ويسمعون ما يجب سماعه من الوحي (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) الضمير في فإنها ضمير القصّة ، أو ضمير مبهم يفسره الأبصار ، أي فما عميت أبصارهم عن الإبصار بل قلوبهم عن الاعتبار ، ولكلّ إنسان أربع أعين عينان في رأسه وعينان في قلبه ، فإذا أبصر ما في القلب وعمي ما في الرأس لم يضرّه ، وإن أبصر ما في الرأس وعمي ما في القلب لم ينفعه ، وذكر الصدور لبيان أنّ محلّ العلم القلب ، ولئلّا يقال إنّ القلب يعنى به غير هذا العضو كما يقال القلب لبّ لكلّ (٢) شيء.
٤٧ ـ (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) الآجل استهزاء (وَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ وَعْدَهُ) كأنّه قال : لم يستعجلون (٣) به كأنهم يجوّزون الفوت ، وإنما يجوز ذلك على ميعاد من يجوز عليه الخلف والله لا يخلف الميعاد (٤) ، وما وعده ليصيبنّهم ولو بعد حين (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) يعدّون مكي وكوفي غير عاصم ، أي كيف يستعجلون بعذاب من يوم واحد من أيام عذابه في طول ألف سنة من سنيّكم ، لأنّ أيام الشدائد طوال.
٤٨ ـ (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ) أي وكم من أهل قرية كانوا
__________________
(١) في (ز) واردها.
(٢) في (ظ) و (ز) لب كل شيء.
(٣) في (ز) يستعجلونك.
(٤) في (ظ) و (ز) ولن يخلف الله وعده.