(وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (١٣١) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) (١٣٢)
النصف الأخير من النهار بين زوال الشمس وغروبها (وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ) أي وتعمد (١) أناء الليل ، أي ساعاته وأطراف النهار مختصا لها بصلاتك ، وقد تناول التسبيح في آناء الليل صلاة العتمة وفي أطراف النهار صلاة المغرب وصلاة الفجر على التكرار إرادة الاختصاص كما اختصت في قوله : (وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) (٢) عند البعض ، وإنما جمع وأطراف النهار وهما طرفان لأمن الإلباس ، وهو عطف على قبل (لَعَلَّكَ تَرْضى) لعلّ للمخاطب ، أي اذكر الله في هذه الأوقات رجاء أن تنال عند الله ما به ترضى نفسك ويسرّ قلبك. وترضى عليّ وأبو بكر أي يرضيك ربّك.
١٣١ ـ (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) أي نظر عينيك ، ومدّ النظر تطويله وأن لا يكاد يردّه استحسانا للمنظور إليه وإعجابا به ، وفيه أنّ النظر غير الممدود معفوّ عنه ، وذلك أن يباده الشيء بالنظر ثم يغضّ الطرف ، ولقد شدّد المتقون في وجوب غضّ البصر عن أبنية الظلمة ، وعدد الفسقة في ملابسهم ومراكبهم حتى قال الحسن : لا تنظروا إلى دقدقة (٣) هماليج (٤) الفسقة ولكن انظروا كيف يلوح ذلّ المعصية من تلك الرّقاب ، وهذا لأنهم إنما اتخذوا هذه الأشياء لعيون النّظّارة ، فالناظر إليها محصل لغرضهم ومغر لهم على اتخاذها (إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ) أصنافا من الكفرة ، ويجوز أن ينتصب حالا من هاء الضمير والفعل واقع على منهم ، كأنه قال إلى الذي متّعنا به ، وهو أصناف ، بعضهم وناسا منهم (زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) زينتها وبهجتها ، وانتصب على الذّمّ ، أو على إبداله من محلّ به ، أو على إبداله من أزواجا على تقدير ذوي زهرة (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) لنبلوهم حتى يستوجبوا العذاب لوجود الكفران منهم ، أو لنعذّبهم في الآخرة بسببه (وَرِزْقُ رَبِّكَ) ثوابه وهو الجنة ، أو الحلال الكافي (خَيْرٌ وَأَبْقى) مما رزقوا.
١٣٢ ـ (وَأْمُرْ أَهْلَكَ) أمتك أو أهل بيتك (بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ) أنت ، داوم (عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً) أي لا نسألك أن ترزق نفسك ولا أهلك (نَحْنُ نَرْزُقُكَ)
__________________
(١) في (ظ) و (ز) تعهد.
(٢) البقرة ، ٢ / ٢٣٨.
(٣) دقدقة : جلبة الناس وأصوات حوافر الدواب (القاموس ٣ / ٢٣٢).
(٤) هماليج : البراذين (القاموس ١ / ٢١٣) وهي الدواب (القاموس ٤ / ٢٠١).