(ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (١٢٢) قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (١٢٣) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) (١٢٤)
الرأي ، وعن ابن عيسى (١) خاب ، والحاصل أنّ العصيان وقوع الفعل على خلاف الأمر والنهي ، وقد يكون عمدا فيكون ذنبا ، وقد لا يكون عمدا فيكون زلة ، ولما وصف فعله بالعصيان خرج فعله من أن يكون رشدا فكان غيّا لأن الغيّ خلاف الرّشد ، وفي التصريح بقوله وعصى آدم ربّه فغوى والعدول عن قوله وزلّ آدم مزجرة بليغة وموعظة كافة للمكلّفين ، كأنه قيل لهم انظروا واعتبروا كيف نعيت على النبي المعصوم حبيب الله زلّته بهذه الغلظة فلا تتهاونوا بما يفرط منكم من الصغائر فضلا عن الكبائر.
١٢٢ ـ (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ) قرّبه إليه أو اصطفاه ، وقرئ به وأصل الكلمة الجمع يقال جبي إليّ كذا فاجتبيته (فَتابَ عَلَيْهِ) قبل توبته (وَهَدى) وهداه إلى الاعتذار والاستغفار.
١٢٣ ـ (قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً) يعني آدم وحواء (بَعْضُكُمْ) يا ذرية آدم (لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) بالتحاسد في الدنيا أو الاختلاف في الدين (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً) كتاب وشريعة (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُ) في الدنيا (وَلا يَشْقى) في العقبى ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : ضمن الله لمن اتبع القرآن أن لا يضلّ في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ، يعني أنّ الشقاء في الآخرة هو عقاب من ضلّ في الدنيا عن طريق الدين ، فمن اتبع كتاب الله وامتثل أوامره وانتهى عن نواهيه نجا من الضلال ومن عقابه.
١٢٤ ـ (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) عن القرآن (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) ضيقا وهو مصدر يستوي في الوصف به المذكر والمؤنث ، عن ابن جبير : يسلبه القناعة حتى لا يشبع ، فمع الدين التسليم والقناعة والتوكل فتكون حياته طيبة ، ومع الإعراض الحرص والشحّ فعيشه ضنك وحاله مظلمة ، كما قال بعض المتصوفة لا يعرض أحدكم عن ذكر ربه إلا أظلم عليه وقته وتشوش عليه رزقه (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) عن الحجة ، عن ابن عباس : أعمى البصر وهو كقوله : (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً) (٢) وهو الوجه.
١٢٥ ـ (قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً) في الدنيا.
__________________
(١) ابن عيسى سبق ترجمته في ٣ / ١٢٨.
(٢) الإسراء ، ١٧ / ٩٧.