قوله : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ)(١) يريد الحياة الفانية (٢) ، ونكّرها إيذانا بقلّتها ، أي على أدنى ما تصدق عليه حياة ، لقوله : (وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً)(٣). يحكى أنّ بعض الأعراب مرّ بجدار مائل فتلي عليه : (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ ، وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً) فقال : ذلك القليل بطلب. قوله : (فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ)(٤) أي الأعراض الدنيوية.
وقوله : (أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى)(٥) كان يطلب منه أن يريه الحياة الأخرويّة المعراة عن الشوائب والآفات الدّنيويّة.
قوله : (وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)(٦) أي من أنقذها من الهلكة ونجّاها منها ، فكأنّه أحيا الناس : الأنفس ، لأنّه يفعل مع جميعها كذلك ، وعليه : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)(٧) أي أعفو عن هذا [وأقتل هذا].
قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً)(٨) أي لا يترك ، واستحياء الله تعالى كراهته للشيء وتركه إيّاه ، فقال تعالى ردا على اليهود حين قالوا لما سمعوا ذكر الذّباب والعنكبوت : ما يشبه هذا كلام الله! إنّ الله لا يترك ضرب الأمثال بالأشياء الحقيرة كالبعوضة ، فأقلّ منها لما في ذلك من المصالح. وما أنكروه إلا عنادا ، وإلا فالتوراة محشوّة من مثله. والاستحياء : تغيّر وانكسار يعتري المستحيي ، والله تعالى منزّه عن ذلك ، فكان مجازه كما ذكرنا ، والأكثر استحيا. وفيه أحييه استحيا (٩) ، وأنشد : [من الهزج]
إذا ما استحين الماء
__________________
(١) ٩٦ / البقرة : ٢.
(٢) وفي المفردات : ١٣٩ : «حياة الدنيا».
(٣) ١٦ / الأحزاب : ٣٣.
(٤) ٣٨ / التوبة : ٩.
(٥) ٢٦٠ / البقرة : ٢.
(٦) ٣٢ / المائدة : ٥.
(٧) ٢٥٨ / البقرة : ٢.
(٨) ٢٦ / البقرة : ٢.
(٩) في الأصل استحين ، وبذلك تكون من مادة (حين). ومثلها في ذلك الشاهد. ولعل كلمة الشاهد «استحيي».