حتّى عقلوا ما سمعوا ، ثمّ انصرف بهم إلى بني إسرائيل ، فلمّا جاؤوهم حرّف فريق منهم ما أمرهم به ، وقالوا حين قال موسى لبني إسرائيل : إنّ الله قد أمركم بكذا وكذا ، قال ذلك الفريق الذي ذكرهم الله : إنّما قال كذا وكذا خلافا لما قال الله ـ عزوجل ـ لهم. فهم الّذين عنى الله لرسوله محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم (١).
***
ولكن قال أبو عبد الله القرطبي : هذا قول الربيع وابن إسحاق ، وفي هذا القول ضعف. ومن قال : إنّ السبعين سمعوا ما سمع موسى فقد أخطأ وأذهب بفضيلة موسى واختصاصه بالتكليم. وقد قال السّدّي وغيره : لم يطيقوا سماعه ، واختلطت أذهانهم ورغبوا أن يكون موسى يسمع ويعيده لهم ، فلمّا فرغوا وخرجوا بدّلت طائفة منهم ما سمعت من كلام الله على لسان نبيّهم موسى عليهالسلام ، كما قال تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ)(٢)!
فإن قيل :
[٢ / ٢٤٣٢] فقد روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عبّاس أنّ قوم موسى سألوه أن يسأل ربّه أن يسمعهم كلامه ، فسمعوا صوتا كصوت الشّبّور (٣) : «إنّي أنا الله لا إله إلّا أنا الحيّ القيّوم ، أخرجتكم من مصر بيد رفيعة وذراع شديد»!
قلت : هذا حديث باطل لا يصحّ ، روي بسند ضعيف ، وإنّما الكلام شيء خصّ به موسى من بين جميع ولد آدم. فإن كان الله قد كلّم قومه أيضا حتّى أسمعهم كلامه ، فما فضل موسى عليهم؟! وقد قال تعالى ـ وقوله الحقّ ـ : (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي)(٤). وهذا واضح (٥).
[٢ / ٢٤٣٣] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله : (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ ...) الآية. قال : فالذين يحرّفونه والّذين يكتمونه هم العلماء منهم ، والّذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم
__________________
(١) الطبري ١ : ٥٢٠ / ١١٠٢ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ١٤٨ / ٧٧٢ ؛ ابن كثير ١ : ١١٩.
(٢) التوبة ٩ : ٦.
(٣) على وزان التنّور : البوق. ولعلّه معرّب «شيپور» الفارسيّة.
(٤) الأعراف ٧ : ١٤٤.
(٥) القرطبي ٢ : ٢.