مسلم ومن لفّ لفّه ، ويبطل كذلك ما ذهب إليه المانعون له من ناحية العقل ، وهم فريق من المعتزلة شذّ عن الجماعة ، فزعم أنّ هذين النوعين الأخيرين مستحيلان عقلا. (١)
قلت : ما أشرف حكم العقل ، لو لا أنّ أمثال الزرقاني حصروه في أصحاب الاعتزال ، وجعلوا من أنفسهم بمعزل عن نور العقل الحكيم!
وأمّا الأستاذ العريض فقد ذهب هنا مذهبا تحقيقيّا وأسهب في الردّ على هذا القول الفاسد ، دفاعا عن كرامة القرآن. ونقل عن جماعة من معاصريه مواكبته على هذا الرأي السديد. (٢)
***
وبعد فإليك ما كتبناه بهذا الصدد ، بشأن صيانة القرآن من التحريف ، بحثا وراء تفنيد مزعومتين : مزعومة نسخ التلاوة ومزعومة الإنساء : زعموا أنّ من آي القرآن ما نسخت تلاوتها ـ وإن كان بقي حكمها ـ كما أسلفنا ، كما أنّ هناك من آي القرآن ما تنوسي ، أنساها الله عن القلوب ، كما هي محيت من صحائف القرآن؟!
وإليك ما كتبناه نصّا (وفيه بعض التكرار لما سبق) :
مزعومة نسخ التلاوة
هناك مزعومة لهج بها كثير من أصحاب الحديث وجماعة من أصوليّ العامّة ، حاولوا معالجة ما صحّ لديهم من روايات تنمّ عن ضياع كثير من آي القرآن ، فحاولوا توجيهها بأسلوب مختلق ، قالوا : إنّها من منسوخ التلاوة ، ولو فرض الحكم باقيا مع الأبد. كما في آية «الرضعات العشر» وآية «رجم الشيخ والشيخة» وآية «لا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب» وغيرهنّ كثير ، حسبوها آيات قرآنيّة ، كانت تتلى على عهده صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لكنّها رفعت فيما بعد ونسيت عن الصدور ، وإن بقي حكمها واجب العمل أبدا. وبهذا الاسلوب الغريب حاولوا توجيه ما عساه كان ثابتا لديهم من صحاح الأحاديث (٣). وأمّا علماؤنا المحقّقون فقد شطبوا على هكذا روايات تخالف صريح القرآن ، ولم
__________________
(١) راجع : مناهل العرفان ٢ : ٢١٥ ـ ٢١٦.
(٢) راجع : فتح المنّان : ٢٢٤ ـ ٢٣٠.
(٣) وللقاضي أبي بكر الباقلاني (توفّي سنة ٤٠٣) محاولة عريضة هنا بصدد الدفاع عن مواضع بعض السلف حيث نسب إليهم من القول بنقص الكتاب عمّا كان عليه في حياة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من قبيل آية الرجم وغيرها. فحاول إثبات أنّها من منسوخ التلاوة إن صحّت النسبة ، وإلّا فهو محال باطل. راجع «نكت الانتصار» له : ٩٥ ـ ١٠٨.