ربّهم عظيم (فخيم من حيث النتائج والآثار) ، ليلقي في حسّهم وفي حسّ الآخرين ممّن يصادف شدّة في حياته ، أنّ إصابة العباد بالمحن والشدائد ، هي امتحان واختبار وحسن بلاء ، وأنّ الّذي يستيقظ لهذه الحقيقة ينتفع من الشدّة ويعتبر بالبلاء ويكتسب من ورائهما خبرة وحنكة ، وقدرة روحيّة فائقة ، تجعله رجل الخوض في معارك الحياة ، ليخرج منها ظافرا شهما وفي طمأنينة وسلام.
نعم ، إنّ الألم في الحياة لا يذهب ضياعا إذا أدرك صاحبه أنّه يمرّ بفترة امتحان وأحسن الانتفاع بها. والألم يهون على النفس حين تعيش بهذا التصوّر النزيه وحين تدّخر ما في التجربة المؤلمة من زاد للدنيا بالخبرة والمعرفة والصبر والاحتمال ، ومن زاد للآخرة باحتسابها عند الله وبالتضرّع لله وبانتظار الفرج من عنده وعدم اليأس من رحمته .. ومن ثمّ هذا التعقيب اللطيف : (وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ). لأنّه لطف منه تعالى بالنسبة لعباده فخيم جسيم.
***
وإذ فرغ من التعقيب جاء بمشهد النجاة بعد مشهد العذاب : (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ).
وردت تفصيلات هذه النجاة في السور المكّيّة التي نزلت من قبل. أمّا هنا فهو مجرّد تذكير لقوم يعرفون القصّة ، سواء من القرآن المكّي أو من كتبهم وأقاصيصهم المحفوظة. إنّما يذكّرهم بها في صورة مشهد ليستعيدوا تصوّرها ويتأثّروا بهذا التصوّر ، وكأنّهم هم الّذين كانوا ينظرون إلى فرق البحر ونجاة بني إسرائيل بقيادة موسى عليهالسلام وغرق فرعون وجنوده ، كلّ ذلك بمرأى منهم ومشهد ليعتبروا ، فليعتبروا والفرصة متاحة!
قوله تعالى : (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ)
[٢ / ١٧٧٩] أخرج ابن جرير عن ابن إسحاق : كان اسم فرعون الوليد بن مصعب بن الريّان! (١).
__________________
(١) الطبري ١ : ٣٨٥ / ٧٤٤ ؛ القرطبي ١ : ٣٨٣ ، عن وهب.