قال تعالى :
(وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٥٧))
ونعمة أخرى يذكّرهم بها ـ وإن كانوا لم يشكروها ـ وهي : رعايتهم في الصحراء الجرداء ، حيث وقاهم هجيرها ويسّر لهم طعاما شهيّا لا يجهدون فيه ولا يكدّون ، وهم في مسيرهم إلى أريحا ، موطنهم الأصل المنشود.
وتذكر الروايات أنّ الله ساق لهم الغمام يظلّلهم من الهاجرة والصحراء بغير مطر ولا سحب ، جحيم تقذف لهبها وتفور .. لكنّها بالمطر والسحاب تصبح رخيّة نديّة ترتاح فيها الأبدان والأرواح.
وتذكر الروايات أيضا أنّ الله سخّر لهم «المنّ» (١). يجدونه على الأشجار كالعسل يقتاتون به. وسخّر لهم «السلوى» وهو طائر السّمانى يجدونه بوفرة قريب المنال. وبهذا توافر لهم الطعام الجيّد والمقام المريح ، وأحلّت لهم هذه الطيّبات ولكن أتراهم شكروا واهتدوا! إنّ التعقيب الأخير في الآية يوحي بأنّهم ظلموا وجحدوا ، وإن كانت عاقبة ذلك عليهم ، فما ظلموا إلّا أنفسهم : (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
هذا ما توحيه الآية وتدعمه الروايات المعتمدة .. ولكن إلى جنبها روايات قد تشتمل على غرائب ترفضها العقول السليمة وإليك من مجموعتها :
قال أبو إسحاق الثعلبي : (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ) في التيه تقيكم حرّ الشمس ، وذلك أنّهم كانوا في التّيه ولم يكن لهم كنّ يسترهم فشكوا ذلك إلى موسى ، فأنزل الله عليهم غماما أبيض رقيقا
__________________
(١) قطرات مائيّة (ندى) تنعقد على أوراق أشواك صحرائيّة ، شبه الصمغ ، تحتوي على سكّر وبعض الكحول ذات طعم ورائحة طيّبة ، تستعمل في صنع الحلواء المعروفة ببلاد فارس (أصبهان وضواحيها ولا سيّما خوانسار) تعرف ب «گزانگبين». لها خواصّ دوائيّة ولا سيّما لمنع إسهال الأطفال. وفي حالتها الطبيعية تتكوّن عسلا وتجفّ جفاف الصمغ ، صالح للاقتيات والتفكّه به.