وبعد فإليك ما ورد من أحاديث السلف بشأن هذه الآيات :
[٢ / ٢٤٢٦] قال مقاتل بن سليمان قوله تعالى : (أَفَتَطْمَعُونَ) : أي النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وحده. (أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) : أن يصدّقوا قولك يا محمّد! يعني يهود المدينة. (وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) على عهد موسى عليهالسلام (يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ) وذلك أنّ السبعين الّذين اختارهم موسى حين قالوا أرنا الله جهرة فعاقبهم الله ـ عزوجل ـ وأماتهم عقوبة ، وبقي موسى وحده ، يبكي فلمّا أحياهم الله ـ سبحانه ـ قالوا : قد علمنا الآن أنّك لم تر ربّك ولكن سمعت صوته فأسمعنا صوته! قال موسى : أمّا هذا فعسى! قال موسى : يا ربّ إنّ عبادك هؤلاء بني إسرائيل يحبّون أن يسمعوا كلامك! فقال : من أحبّ منهم أن يسمع كلامي فليعتزل النساء ثلاثة أيّام ، وليغتسل اليوم الثالث وليلبس ثيابا جددا ، ثمّ ليأتي الجبل فأسمعه كلامي! ففعلوا ذلك ثمّ انطلقوا مع موسى إلى الجبل ، فقال لهم موسى : إذا رأيتم السحابة قد غشيت ، ورأيتم فيها نورا وسمعتم فيها صوتا ، فاسجدوا لربّكم وانظروا ما يأمركم به ، فافعلوا ، قالوا : نعم ، فصعد موسى عليهالسلام الجبل فجاءت الغمامة فحالت بينهم وبين موسى ، ورأوا النور وسمعوا صوتا كصوت الصور ، وهو البوق ، فسجدوا وسمعوه وهو يقول : إنّي أنا ربّكم لا إله إلّا أنا الحيّ القيّوم ، وأنا الذي أخرجتكم من أرض مصر بيد رقيقة (١) وذراع شديد فلا تعبدوا إلها غيري ، ولا تشركوا بي شيئا ولا تجعلوا لي شبها فإنّكم لن تروني ، ولكن تسمعون كلامي ، فلمّا أن سمعوا الكلام ذهبت أرواحهم من هول ما سمعوا ثمّ أفاقوا وهم سجود ، فقالوا لموسى عليهالسلام : إنّا لا نطيق أن نسمع كلام ربّنا ، فكن بيننا وبين ربّنا ، فليقل لك وقل أنت لنا. قال موسى : يا ربّ إنّ بنى إسرائيل لم يطيقوا أن يسمعوا كلامك فقل لي أقل لهم. قال الله ـ عزوجل ـ : نعم ما رأوا!
فجعل الله ـ عزوجل ـ يأمر موسى ثمّ يخبرهم موسى ويقولون سمعنا ربّنا وأطعنا ، فلمّا فرغ من أمره ونهيه ارتفعت السحابة وذهب الصوت ، فرفع القوم رؤوسهم ورجعوا إلى قومهم. قيل لهم : ماذا أمركم به ربّكم ونهاكم عنه؟ فقال بعضهم : أمرنا بكذا وكذا ، ونهانا عن كذا وكذا. وقال آخرون ... وأتبع في آخر قوله : إن لم تستطيعوا ترك ما نهاكم عنه فافعلوا ما تستطيعون. فذلك قوله سبحانه :
__________________
(١) في نسخة : رفيقة. وفي أخرى : رفيعة.