ثمّ أخبر الله ـ جلّ ثناؤه ـ عن عظيم جهالتهم ، وسوء طاعتهم ربّهم وعصيانهم لأنبيائهم واستهزائهم برسله ، مع عظيم آلاء الله ـ عزوجل ـ عندهم ، وعجائب ما أراهم من آياته وعبره ، موبّخا بذلك أبناءهم الّذين خوطبوا بهذه الآيات ، ومعلمهم أنّهم إن تعدّوا في تكذيبهم محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم وجحودهم نبوّته مع عظيم إحسان الله بمبعثه فيهم إليهم ، وعجائب ما أظهر على يديه من الحجج بين أظهرهم ، أن يكونوا كأسلافهم الّذين وصف صفتهم. وقصّ علينا أنباءهم في هذه الآيات ، فقال ـ جلّ ثناؤه ـ : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ) الآية.
قوله : (فَبَدَّلَ) فغيّر. ويعني بقوله : (الَّذِينَ ظَلَمُوا) الّذين فعلوا ما لم يكن لهم فعله. ويعني بقوله : (قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) بدّلوا قولا غير الذي أمروا أن يقولوه فقالوا خلافه ، وذلك هو التبديل والتغيير الذي كان منهم. وكان تبديلهم ـ بالقول الذي أمروا أن يقولوه ـ قولا (١) غيره ما :
[٢ / ٢٠٩٧] رواه عبد الرزّاق ، عن معمر عن همّام بن منبّه أنّه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «قال الله لبني إسرائيل : ادخلوا الباب سجّدا وقولوا حطّة نغفر لكم خطاياكم ، فبدّلوا ودخلوا الباب يزحفون على أستاههم وقالوا : حبّة في شعيرة» (٢).
[٢ / ٢٠٩٨] وروى همّام ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في قوله : (حِطَّةٌ) قال : «بدّلوا فقالوا : حبّة».
[٢ / ٢٠٩٩] وروى أبو الكنود ، عن عبد الله : (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ) قالوا : حنطة حمراء فيها شعيرة ، فأنزل الله : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ).
[٢ / ٢١٠٠] وروى سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس في قوله : (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) قال : ركوعا
__________________
(١) «قولا» مفعول «تبديلهم».
(٢) رواه البخاري ٤ : ١٢٩ و ٥ : ١٤٨ ، في الأنبياء ، باب ٢٨ ، وتفسير سورة ٧ باب ٤ وسورة ٢ باب ٥. ومسلم ٨ : ٢٣٨ كتاب الزهد والرقاق وكتاب التفسير حديث ١. والترمذي ٤ : ٢٧٣ / ٤٠٣٢ في تفسير سورة ٢ باب ٢. وأحمد في المسند ٢ :
٣١٨. وروايتهم كلّهم : «حبّة في شعرة». قال ابن كثير (١ : ١٠٢ ـ ١٠٣) : هذا حديث صحيح رواه البخاري ومسلم والترمذي كلّهم عن عبد الرزّاق.