قوله : (وَقُولُوا حِطَّةٌ). وكذلك الواجب على التأويل الذي رويناه عن الحسن وقتادة في قوله : (وَقُولُوا حِطَّةٌ) أن تكون القراءة في «حطّة» نصبا ، لأنّ من شأن العرب إذا وضعوا المصادر مواضع الأفعال وحذفوا الأفعال أن ينصبوا المصادر ، كما قال الشاعر :
أبيدوا بأيدي عصبة وسيوفهم |
|
على أمهات الهام ضربا شآميا (١) |
وكقول القائل للرجل : سمعا وطاعة ، بمعنى : أسمع سمعا وأطيع طاعة ، وكما قال جلّ ثناؤه :
(مَعاذَ اللهِ)(٢) بمعنى : نعوذ بالله (٣).
***
وقال في تأويل قوله تعالى : (نَغْفِرْ لَكُمْ) :
يعني بقوله : (نَغْفِرْ لَكُمْ) نتغمّد لكم بالرحمة خطاياكم ونسترها عليكم ، فلا نفضحكم بالعقوبة عليها. وأصل الغفر : التغطية والستر ، فكلّ ساتر شيئا فهو غافره. ومن ذلك قيل للبيضة من الحديد التي تتّخذ جنّة للرأس «مغفر» لأنّها تغطّي الرأس وتجنّه ، ومنه غمد السيف ، وهو ما يغمده فيواريه ؛ ولذلك قيل لزئبر (٤) الثوب «غفر» ، لتغطيته العورة ، وحؤوله بين الناظر والنظر إليها. ومنه قول أوس بن حجر :
فلا أعتب ابن العمّ إن كان جاهلا |
|
وأغفر عنه الجهل إن كان أجهلا (٥) |
يعني بقوله : وأغفر عنه الجهل : أستر عليه جهله بحلمي عنه.
وقوله تعالى : (خَطاياكُمْ) والخطايا جمع خطيّة بغير همز ، كما في المطايا جمع مطيّة ، والحشايا جمع خشيّة. وإنّما ترك جمع الخطايا بالهمز ، لأنّ ترك الهمز في خطيئة أكثر من الهمز ، فجمع على خطايا ، على أنّ واحدتها غير مهموزة. ولو كانت الخطايا مجموعة على خطيئة بالهمز لقيل خطائي
__________________
(١) البيت للفرزدق في ديوانه ، وروايته عنده : «أناخوا بأيدي طاعة وسيوفهم». أناخوا : ذلّوا وانقادوا. وأيدي طاعة : أهل طاعة. والشآمي : من الشؤم أي ضربة بؤس وشؤم.
(٢) يوسف ١٢ : ٢٣ و ٧٩.
(٣) الطبري ١ : ٤٢٩ ـ ٤٣٠.
(٤) زئبر الثوب : هو ما يعلو الثوب الجديد من مائه كالذي يعلو القطيفة والخزّ ، ويسمّونه درز الثوب أيضا.
(٥) أجهل : بمعنى جاهل ، كما قالوا أوحد بمعنى واحد وأميل بمعنى مائل.