قال أبو جعفر ، واختلف أهل العربيّة في المعنى الذي من أجله رفعت الحطّة ، فقال بعض نحويّي البصرة : رفعت الحطّة بمعنى قولوا ليكن منكم حطّة لذنوبنا ، كما تقول للرجل : سمعك.
وقال آخرون منهم : هي كلمة أمرهم الله أن يقولوها مرفوعة ، وفرض عليهم قيلها كذلك.
وقال بعض نحويّي الكوفيين : رفعت الحطّة بضمير «هذه» ، كأنّه قال : وقولوا هذه حطّة.
وقال آخرون منهم : هي مرفوعة بضمير معناه الخبر ، كأنّه قال : قولوا ما هو حطّة ، فتكون حطّة حينئذ خبرا ل «ما».
والذي هو أقرب عندي في ذلك إلى الصواب وأشبه بظاهر الكتاب ، أن يكون رفع حطّة بنيّة خبر محذوف (١) قد دلّ عليه ظاهر التلاوة ، وهو : دخولنا الباب سجّدا حطّة ، فكفى من تكريره بهذا اللفظ ما دلّ عليه الظاهر من التنزيل ، وهو قوله : (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) كما قال ـ جلّ ثناؤه ـ : (وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ)(٢) يعني موعظتنا إيّاهم معذرة إلى ربّكم. فكذلك عندي تأويل قوله : (وَقُولُوا حِطَّةٌ) يعني بذلك : (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ) ... (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا) دخولنا ذلك سجّدا (حِطَّةٌ) لذنوبنا ، وهذا القول على نحو تأويل الربيع بن أنس وابن جريج وابن زيد الذي ذكرناه آنفا.
وأمّا على تأويل قول عكرمة ، فإنّ الواجب أن تكون القراءة بالنصب في «حطّة» لأنّ القوم إن كانوا أمروا أن يقولوا : لا إله إلّا الله ، أو أن يقولوا : نستغفر الله ، فقد قيل لهم : قولوا هذا القول ، ف «قولوا» واقع حينئذ على الحطّة ، لأنّ الحطّة على قول عكرمة هي قول لا إله إلّا الله ، وإذ كانت هي قول لا إله إلّا الله ، فالقول عليها واقع ، كما لو أمر رجل رجلا بقول الخير ، فقال له : «قل خيرا» نصبا ، ولم يكن صوابا أن يقول له : «قل خير» إلّا على استكراه شديد.
وفي إجماع القرّاء على رفع «حطّة» بيان واضح على خلاف الذي قاله عكرمة من التأويل في
__________________
(١) أي خبرا عن مبتدء محذوف.
(٢) الأعراف ٧ : ١٦٤. وقراءتنا في مصاحفنا «مَعْذِرَةً» بالنصب. وأراد الطبري هنا «معذرة» بالرفع. وقد قال في تفسير الآية ١٦٤ من سورة الأعراف : قرأ ذلك عامّة قرّاء الحجاز والكوفة والبصرة «معذرة» بالرفع وقرأ ذلك بعض أهل الكوفة «مَعْذِرَةً» نصبا.