فقرئت عليه هذه الآية ، فبكى عندها ، ثم بكى ، إلى أن فاضت نفسه ، ومال ، فحرّكوه ، فإذا هو ميّت ـ رحمهالله ـ ونفع به ، يا هذا ، من صحا عقله من سكر هواه ، وجهله ، احترق بنار النّدم والخجل من مهابة نظر ربّه ، وتنكّرت صورة حاله في عينه نفوس الأغبياء الجهّال ، غافلة عن العظمة والجلال ، ولاهية عن أهوال المعاد والمآل ، مشغولة برذائل الأفعال ، وفضول القيل والقال ، والاستنباط والاحتيال ؛ لازدياد الأموال ، ولا يعلمون أنّها فتنة ووبال ، وطول حساب وبلاء وبلبال (١) ، اغتنموا ، يا ذوي البصائر نعمة الإمهال ، واطّرحوا خوادع الأماني ، وكواذب / الآمال ، فكأن قد فجأتكم هواجم الآجال. انتهى من ٧٤ «الكم الفارقيّة ، في الحكم الحقيقيّة».
و (يَوْماً) : نصب على المفعول ، لا على الظرف ، وجمهور العلماء على أنّ هذا اليوم المحذّر منه هو يوم القيامة ، والحساب والتوفية ، وقال قوم : هو يوم الموت ، والأول أصحّ ، وهو يوم تنفطر لذكره القلوب ، وفي هذه الآية نصّ على أنّ الثواب والعقاب متعلّق بكسب الإنسان ، وهذا ردّ على الجبريّة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلاَّ تَرْتابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(٢٨٢)
وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ...) الآية.
قال ابن عبّاس : هذه الآية نزلت في السّلم خاصّة (٢) ،
__________________
(١) البلبال : والبلابل ، والبلبلة : شدة الهم والوسواس في الصدور وحديث النفس. ينظر : «لسان العرب» (٣٥١) (بلل)
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣ / ١١٦) برقم (٦٣١٥) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره».