٩ ـ محمد بن علي بن جعفر الشمس ، العجلوني ، ثم القاهري ، الشافعي الصوفي ، ويعرف بالبلالي (١) ـ بكسر الموحدة ثم لام خفيفة ـ :
ولد قبل الخمسين وسبعمائة ، واشتغل بتلك البلاد قليلا ، ولازم أبا بكر الموصلي ، فانتفع به وبغيره ، وتميز في التصوف ، ولازم النظر في «الإحياء» بحيث كاد يأتي عليه حفظا ، وصارت له به ملكة قوية بحيث اختصره اختصارا حسنا جدا. وكان بالنسبة لأصله كالحاوي مع الرافعي ، وانتفع به الناس وأقبلوا على تحصيله سيما المغاربة وقرىء عليه غير مرة ، وربما استكثر عليه ، وكذا صنف «السول في شيء من أحاديث الرسول» ، واختصر «الروضة» ولكن لم يكملا ، واختصر «الشفا» ، وعمل مختصرا بديعا في الفروع ، وقرض السيرة النبوية لابن ناهض. وعرف بالخير والصلاح قديما ، واشتهر بالتعظيم في الآفاق ، وحسنت عقيدة الناس فيه ، واستقدمه سودون الشيخوني نائب السّلطنة في حدود التسعين ، وولاه مشيخة سعيد السعداء ، فدام بها نحو ثلاثين سنة لم يزل عنها إلا مرة بخادمها خضر ؛ لقيام تمراز نائب الغيبة في الأيام الناصرية فرج ولم يمض سوى عشرة أيام ، ثم جيء بالقبض عليه ، وعد ذلك من كرامات البلالي ، ثم أعيد. وكان كثير التواضع إلى الغاية منطرح النفس جدا ، مشهورا بذلك ، كثير البذل لما في يده ، شديد الحياء ، كثير العبادة والتلاوة والذكر ، سليم الباطن جدّا بحيث كان كثير من الناس يتكلم فيه بسبب ما له من المباشرات بالخانقات وتؤثر عنه كرامات وخوارق. ذكره ابن حجر في معجمه بما هذا حاصله ، قال : وكان يودني كثيرا ، وأجاز في استدعاء ابني محمد ، وذكر أنه ضاع منه مسموعاته. وكذا ذكره في «الإنباء» باختصار ، وأنه استقر في مشيخة سعيد السعداء مدة متطاولة مع التّواضع الكامل ، والخلق الحسن وإكرام الوارد. واختصر «الإحياء» فأجاد ، وطار اسمه في الآفاق ، ورحل إليه بسببه ، ثم صنف تصانيف أخرى. وكانت له مقامات وأوراد ، وله محبون معتقدون ، ومبغضون منتقدون. ونحوه قول المقريزي : كان معتقدا وله شهرة طارت في الآفاق ، وللناس فيه اعتقاد ، وعليه انتقاد. مات في يوم الأربعاء رابع عشر شوال سنة عشرين ، ودفن بمقابر الصوفية بعد شهود ابن حجر الصلاة عليه ، وقد جاز السبعين. وهو في عقود المقريزي ، وقال : كان كثير الذكر ، متواضعا إلى الغاية بحيث لما اجتمعت به قبل يدي مرارا ، وقدم إليّ نعلي لما انصرفت عنه ، وهذه سيرته مع كل أحد ، وحضرت عنده وظيفة الذكر بعد العشاء بالخانقاه ، وكان يرى رفع الصوت به ويعلل ذلك ،
__________________
(١) ينظر : «الضوء اللامع» (٨ / ١٧٨)