(فَلَهُ ما سَلَفَ) ، ولا يقال ذلك لمؤمن عاص ، ولكن يأخذ العصاة في الربا بطرف من وعيد هذه الآية ، ثم جزم الله سبحانه الخبر في قوله : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) ، قيل : هذا من عموم القرآن المخصّص ، وقيل : من مجمله المبيّن ، قال جعفر بن محمّد الصّادق (١) : وحرم الله الربا ؛ ليتقارض النّاس.
وقوله تعالى : (فَلَهُ ما سَلَفَ) ، أي : من الربا ؛ لا تباعة عليه في الدنيا والآخرة ، وهذا حكم من الله سبحانه لمن أسلم من الكفار ، وفي قوله تعالى : (وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ) أربع تأويلات :
أحدها : أمر الربا في إمرار تحريمه وغير ذلك.
والثاني : أمر ما سلف ، أي : في العفو وإسقاط التّبعة فيها.
والثالث : أنّ الضمير عائد على ذي الربا ؛ بمعنى : أمره إلى الله في أن يثبته على الانتهاء أو يعيده إلى المعصية.
والرابع : أن يعود الضمير على المنتهى ، ولكن بمعنى التأنيس له ، وبسط أمله في الخير.
وقوله تعالى : (وَمَنْ عادَ) ، يعني : إلى فعل الربا ، والقول ؛ إنما البيع الرّبا ، والخلود في حق الكافر : خلود تأبيد حقيقي ، وإن لحظنا الآية في مسلم عاص ، فهو خلودّ مستعار على معنى المبالغة.
وقوله تعالى : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) ، (يَمْحَقُ) : معناه : ينقص ، ويذهب ؛ ومنه : محاق القمر (٢) ، وهو انتقاصه ، (وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ) : معناه : ينميها ، ويزيد ثوابها تضاعفا ، تقول : ربت الصدقة ، وأرباها الله تعالى ، وربّاها ، وذلك هو التضعيف لمن يشاء ؛ ومنه قول النبيّ صلىاللهعليهوسلم «إنّ صدقة أحدكم لتقع في يد الله تعالى ،
__________________
(١) جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي ، أبو عبد الله ، الإمام الصادق المدني ، أحد الأعلام ، عن أبيه وجده أبي أمه ، القاسم بن محمد ، وعروة ، وعنه خلق لا يحصون منهم ابنه موسى ، وشعبة ، والسّفيانان ، ومالك ، قال الشافعي وابن معين ، وأبو حاتم : ثقة ، مات سنة ثمان وأربعين ومائة ، عن ثمان وستين سنة. ينظر : «الخلاصة» (١ / ١٦٨ ـ ١٦٩)
(٢) المحاق والمحاق : آخر الشهر إذا امّحق الهلال فلم ير. ينظر : «لسان العرب» (٤١٤٧)