الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ)(١٩٧)
وقوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) في الكلام حذف ، تقديره (١) : أشهر الحج أشهر أو وقت الحجّ أشهر معلومات ، قال ابن مسعود وغيره : وهي شوّال ، وذو القعدة ، وذو الحجّة كلّه (٢).
وقال ابن عبّاس وغيره : هي شوّال ، وذو القعدة ، وعشر من ذي الحجة (٣) ، والقولان لمالك ـ رحمهالله ـ (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَ) ، أي : ألزمه نفسه ، وفرض الحج هو بالنية والدخول في الإحرام ، والتلبية تبع لذلك ، وقوله تعالى : (فِيهِنَ) ، ولم يجىء الكلام «فيها» ، فقال قوم : هما سواء / في الاستعمال ، وقال أبو عثمان المازنيّ (٤) : الجمع الكثير
__________________
(١) وكان هذا التقدير ؛ لأن «الحج» فعل من الأفعال ، و «أشهر» زمان ؛ فهما غيران ، فكان لا بد من تأويل. وهناك احتمالان آخران للإعراب ، وهما :
الأول : الحج حجّ أشهر على الإضافة.
والثاني : أن يجعل الحدث نفس الزمان مبالغة ومجازا ، فالحج حال فيه ، فلما اتسع في الظرف جعل نفس الحدث.
ونظيرها : (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) [الأحقاف : ١٥] وإذا كان ظرف الزمان نكرة مخبرا به عن حدث جاز فيه الرفع والنصب مطلقا ، أي : سواء كان الحدث مستوعبا للظرف أم لا ، هذا مذهب البصريين.
وأمّا الكوفيون فقالوا : إن كان الحدث مستوبعا فالرفع فقط نحو : «الصوم يوم» وإن لم يكن مستوعبا فهشام يلتزم رفعه أيضا نحو : «ميعادك يوم» والفراء يجيز نصبه مثل البصريين ، وقد نقل عنه أنه منع نصب «أشهر» يعني في الآية لأنها نكرة ، فيكون له في المسألة قولان ، وهذه المسألة بعيدة الأطراف تضمّها كتب النحويين. قال ابن عطية : «ومن قدّر الكلام : الحج في أشهر فيلزمه مع سقوط حرف الجر نصب الأشهر ، ولم يقرأ به أحد» قال الشيخ : «ولا يلزم ذلك ، لأنّ الرفع على جهة الاتساع ، وإن كان أصله الجرّ بفي».
ينظر : «الدر المصون» (١ / ٤٨٩ ـ ٤٩٠)
(٢) ذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (١ / ٢٧١)
(٣) أخرجه الطبري (٢ / ٢٦٨) برقم (٣٥٢٥) ، وذكره ابن عطية (١ / ٢٧١) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٣٩٣) ، وعزاه لوكيع ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي.
(٤) بكر بن محمد بن حبيب بن بقية ، أبو عثمان المازني ، من مازن شيبان : أحد الأئمة في النحو ، من أهل البصرة. ووفاته فيها. له تصانيف ، منها كتاب : «ما تلحن فيه العامة» و «الألف واللام» و «التصريف» و «العروض» و «الديباج». توفي سنة (٢٤٩) ه. ينظر : «الأعلام» (٢ / ٦٩)