البيان (١) إلى وقت الحاجة ، وعديّ بن حاتم جعل خيطين على وساده ، وأخبر النبيّ صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) تأخر البيان إلى وقت الحاجة : بادىء ذي بدء أقول : هناك حالان لكل ما يحتاج إلى تأخير بيان ، من عام ، ومجمل ، ومجاز ، ومشترك ، وفعل متردد ومطلق :
الحال الأول : أن يتأخر عن وقت الحاجة ، وهو الوقت الذي إن أخر البيان عنه لم يتمكن المكلّف من المعرفة بما تضمنه الخطاب ، وهذا يكون في كل ما كان واجبا على الفور ، كالإيمان ، ورد الودائع.
وقد حكى أبو بكر الباقلاني إجماع أرباب الشرائع على امتناعه.
الحال الثاني : أن يؤخر عن وقت ورود الخطاب إلى وقت الحاجة إلى الفعل ، وذلك في الواجبات التي ليست على الفور ، ويكون فيما لا ظاهر له كالأسماء المتواطئة والمشتركة ، أو له ظاهر وقد استعمل في خلافه ، كتأخير بيان التخصيص ، وتأخير بيان النسخ ، ونحوه.
وقد اختلف العلماء في هذا القسم على مذاهب :
الأول : الجواز مطلقا ، وعليه عامة العلماء من الفقهاء والمتكلمين ، كما قال ابن برهان. ومنهم ابن فورك ، والقاضي أبو الطيب ، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي ، وابن السمعاني ، ونقلوه عن ابن سريج ، والإصطخري ، والقفال ، وكثير من علماء الشافعية. ونقل عن الشافعي ـ كما قال الزركشي في «البحر».
وقد اختاره الرازي في «المحصول» ، وابن الحاجب ، وقال الباجي : عليه أكثر أصحابنا. وحكاه القاضي عن مالك.
واستدلوا بآيات ، منها قوله سبحانه : (فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) [القيامة : ١٨ ـ ١٩].
وهناك حوادث كثيرة جدا ـ كما يقول الشوكاني ـ وقع البيان لها بعد السّنة.
المذهب الثاني : المنع مطلقا ، ونقل عن أبي إسحاق المروزي ، والصيرفي ، وأبي حامد المروزي ، والدقاق ، ومن المالكية : الأبهري.
قال القاضي : وهو قول المعتزلة ، وكثير من الحنفية ، وابن داود الظاهري ، ونقله القشيري عن داود.
وقد استدل هؤلاء بما لا طائل تحته ، قالوا : لو جاز ذلك فإما أن يجوز إلى مدة معينة أو إلى الأبد ، وكلاهما باطل ، أما إلى المدة المعينة ؛ فلكونه تحكما ، ولكونه لم يقل به أحد. وأما إلى الأبد ؛ فلكونه يلزم المحذور ، وهو الخطاب والتكليف به مع عدم الفهم.
وأجيب عنهم : باختيار جوازه إلى مدة معينة يعلمها الله ، وهو الوقت الذي يعلم أنه يكلف به فيه ؛ فلا تحكم.
المذهب الثالث : جوازه في المجمل دون غيره ، وحكي عن الصيرفي وأبي حامد المروزي.
المذهب الرابع : جوازه في العموم ، وحكي عن عبد الجبار ، وحكاه الروياني والماوردي وجها لأصحاب الشافعي.
المذهب الخامس : جوازه في الأوامر والنواهي ، لا في الأخبار ، وحكي عن الكرخي وبعض المعتزلة.
المذهب السادس : عكسه. حكاه الشيخ أبو إسحاق ، ولم ينسبه إلى أحد.
المذهب السابع : جوازه في النسخ دون غيره ، ذكره أبو الحسين البصري ، وأبو علي ، وأبو هاشم ، وعبد الجبار.
المذهب الثامن : التفصيل بين ما ليس له ظاهر كالمشترك فلا يجوز ، وما له ظاهر كالعام فيجوز.
المذهب التاسع : أن بيان المجمل إن لم يكن تبديلا ولا تغييرا ، جاز مقارنا وطارئا ، وإن كان تغييرا جاز مقارنا ، ولا يجوز طارئا. نقله ابن السمعاني عن أبي زيد من الأحناف.