وقوله سبحانه : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ) : التقدير : فأفطر ، (فَعِدَّةٌ) ، وهذا يسمونه فحوى (١) الخطاب ، واختلف العلماء في حدّ المرض الذي يقع به الفطر ، فقال جمهور العلماء : إذا كان به مرض يؤذيه ، ويؤلمه أو يخاف تماديه ، أو يخاف من الصوم تزيّده ، صحّ له الفطر ، وهذا مذهب حذّاق أصحاب مالك ، وبه يناظرون ، وأما لفظ ٤٤ ب مالك : فهو المرض الّذي يشقّ على المرء ، ويبلغ به ، واختلف في الأفضل / من الفطر أو الصّوم ، ومذهب مالك استحباب الصوم لمن قدر عليه ، وتقصير الصّلاة حسن ؛ لأن الذمّة تبرأ في رخصة الصلاة ، وهي مشغولة في أمر الصيام ، والصواب : المبادرة بالأعمال.
والسّفر : سفر الطاعة ؛ كالحجّ ، والجهاد ؛ بإجماع ، ويتصل بهذين سفر صلة الرّحم ، وطلب المعاش الضروريّ.
وأما سفر التجارة ، والمباحات ، فمختلف فيه بالمنع ، والجواز ، والقول بالجواز أرجح.
__________________
ـ وهذا ليس بشيء ، لأنّه يلزم الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي ، وهو قوله : «كما كتب» لأنه ليس معمولا للمصدر على أيّ تقدير قدّرته. فإن قيل : يجعل «كما كتب» صفة للصيام ، وذلك على رأي من يجيز وصف المعرّف بأل الجنسية بما يجري مجرى النكرة فلا يكون أجنبيا. قيل : يلزم من ذلك وصف المصدر قبل ذكر معموله ، وهو ممتنع.
وقيل : منصوب بالصيام على أن تقدّر الكاف نعتا لمصدر من الصيام ، كما قد قال به بعضهم ، وإن كان ضعيفا ، فيكون التقدير : «الصيام صوما كما كتب» فجاز أن يعمل في «أياما» «الصيام» لأنه إذ ذاك عامل في «صوما» الذي هو موصوف ب «كما كتب» فلا يقع الفصل بينهما بأجنبي بل بمعمول المصدر. وقيل : ينتصب بكتب : إمّا على الظرف وإمّا على المفعول به توسّعا ، وإليه نحا الفراء وتبعه أبو البقاء. قال أبو حيان : «وكلا القولين خطأ : أمّا النصب على الظرف فإنه محلّ للفعل ، والكتابة ليست واقعة في الأيام ، لكن متعلّقها هو الواقع في الأيام. وأمّا النصب على المفعول اتّساعا فإنّ ذلك مبنيّ على كونه ظرفا لكتب ، وقد تقدّم أنه خطأ. ينظر : «الدر المصون» (١ / ٤٦٠)
(١) وهو : مفهوم الموافقة وهو ما كان مدلول اللفظ في محل المسكوت موافقا لمعناه في محل المنطوق ، ويسمى «دلالة النص» ، و «فحوى الخطاب» ، و «لحن الخطاب».
وقد اتفق الشّافعية ، والحنفية على حجية الفحوى ، واشترط الشافعية أولوية المسكوت.
وينظر تفصيل ذلك في : «البحر المحيط» للزركشي (٤ / ٧) ، «البرهان» لإمام الحرمين (١ / ٤٤٩) ، «الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (٣ / ٦٢) ، «نهاية السول» للأسنوي (٢ / ٢٠٢) ، «غاية الوصول» للشيخ زكريا الأنصاري (٣٧) ، «المنخول» للغزالي (٢٠٨) ، «حاشية البناني» (١ / ٢٤٠) ، «الإبهاج» لابن السبكي (١ / ٣٦٧) ، «الآيات البينات» لابن قاسم العبادي (٢٠ / ١٥) ، «حاشية العطار على جمع الجوامع» (١ / ٣١٩) ، «التحرير» لابن الهمام (٢٩) ، «حاشية التفتازاني والشريف على مختصر المنتهى» (٢ / ١٧٢) ، «التقرير والتحبير» لابن أمير الحاج (١ / ١١٢)