وأما سفر العصيان ، فمختلف فيه بالجواز ، والمنع ، والقول بالمنع أرجح.
ومسافة سفر الفطر ؛ عند مالك ، حيث تقصر الصلاة ثمانية وأربعون (١) ميلا.
__________________
(١) يباح للمسافر الفطر في رمضان إذا تحققت الشروط الآتية :
الأول : أن يكون سفره سفر قصر ، أي : أن يكون سفرا طويلا ، والسفر الطويل : ما كان مرحلتين فأكثر ، وهما : سير يومين من غير ليلة على الاعتبار ، أو ليلتين بلا يوم كذلك ، أو يوم وليلة مع النزول المعتاد ، لنحو استراحة ، أو أكل أو صلاة ، وأن تكون المرحلتان بسير الأثقال. أي : الحيوانات المثقلة بالأحمال ، والبحر كالبر في اشتراط المسافة المذكورة ، فلو قطع الأميال فيه في ساعة مثلا لشدة جري السفينة بالهواء ، فإنه يبيح له الفطر أيضا ؛ لوجود المسافة الصالحة ، ولا يضرّ قطعها في زمن يسير. فإن قيل : إذا قطع المسافة في لحظة صار مقيما ، فكيف يتصور ترخيصه فيها؟
أجيب بأنّه لا يلزم من وصول المقصد انتهاء الرّخصة.
الشرط الثاني : أن يكون سفره في غير معصية بألّا يكون عاصيا بالسفر ، وهو الذي أنشأ سفره معصية ، ولا عاصيا بالسفر في السفر ، وهو الذي أنشأ سفره طاعة ثم قلبه معصية. أمّا العاصي في السفر ، وهو من أنشأ سفره طاعة ، واستمر كذلك إلّا أنه وقعت منه معصية في أثناء سفره ؛ فيجوز له الفطر ، ولم يجوّز الشارع الفطر لمن كان سفره في معصية ؛ لأن ذلك يكون إعانة له على المعصية ؛ ولأن جواز الفطر رخصة والرخصة لا تناط بالمعاصي.
وبناء على هذين الشرطين يمكن أن يقال : إنّ المسافر الذي كان سفره في غير معصية ، وكان سفره سفر قصر يباح له الفطر بالإجماع ؛ لقوله تعالى : (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) أي : فله الفطر وعليه عدة من أيام أخر ، ولما روت السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن حمزة بن عمر الأسلمي قال : يا رسول الله أأصوم في السّفر؟ فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر». ثمّ إن كان المسافر ممن لا يجهده الصوم. أي : لا يتضرر به ، فالأفضل له الصوم ؛ لما روي عن أنس ـ رضي الله عنه ـ أنه قال للصّائم في السّفر : «إن أفطرت فرخصة ، وإن صمت فأفضل». وأنّه لو أفطر عرض الصوم للنسيان ، وحوادث الأيّام ؛ ولأن شهر الصوم له أفضلية ومزيّة على سائر الأيّام. وإن كان المسافر ممن يجهده الصوم ، أي : يتضرر به فالأفضل له الفطر ؛ لما روى جابر ـ رضي الله عنه ـ أنّه قال : مرّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سفر برجل تحت شجرة يرشّ عليه الماء ، فقال (عليهالسلام) : «ما بال هذا»؟ قالوا : صائم يا رسول الله. قال (عليهالسلام) : «ليس من البرّ الصّيام في السّفر».
فإن صام المسافر ثمّ أراد أن يفطر فله أن يفطر ؛ لأن العذر قائم ، كما لو صام المريض وأراد أن يفطر.
الشرط الثالث : أن يكو السّفر سابقا على الصوم ؛ بأن يكون الشروع فيه سابقا على الشروع في الصوم ، كأن يقع السفر بعد الغروب ، وقبل الفجر.
أمّا إذا كان الشروع في السّفر بعد الشروع في الصوم ، فيحرم عليه الفطر ، ويجب الصوم.
وقال المزني : له أن يفطر ، كما لو أصبح الصحيح صائما ، ثمّ مرض. والمذهب الأوّل ، وهو وجوب الصّوم وعدم جواز الفطر. دليل ذلك : أنّه عبادة أجتمع فيها سفر وحضر ، وكل عبادة يجتمع فيها سفر وحضر يغلب جانب الحضر ؛ لأنّه الأصل.
وعلى الأول : لو جامع فيه لزمه الكفارة ؛ لأنّه يوم من رمضان هو صائم فيه صوما لا يجوز فيه الفطر.
الشرط الرابع : أن يرجو المسافر إقامة يقضي فيها ما أفطره من أيام سفره ، فإن لم يرج إقامة يقضي فيها ما ـ