قوله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله قد أعطى كلّ ذي حقّ حقّه ؛ فلا وصيّة لوارث» (١).
و (بِالْمَعْرُوفِ) : معناه بالقصد الّذي تعرفه النفوس دون إضرار بالورثة ، ولا تنزير (٢) للوصية و (حَقًّا) : مصدر مؤكّد ، وخصّ «المتقون» بالذكر ؛ تشريفا للرتبة ؛ ليتبادر النّاس إليها.
وقوله تعالى : (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ ...) الآية : الضمير في «بدّله» عائد على الإيصاء ، وأمر الميت ، وكذلك في «سمعه» ، ويحتمل أن يعود الذي في «سمعه» على أمر الله تعالى في هذه الآية ، والأول أسبق للناظر ، و (سَمِيعٌ عَلِيمٌ) : صفتان لا يخفى معهما شيء من جنف الموصين ، وتبديل المتعدين ، والجنف : الميل.
ومعنى الآية على ما قال مجاهد : من خشي أن يحيف الموصي ، ويقطع ميراث طائفة ، ويتعمّد الإذاءة ، فذلك هو الجنف في إثم ، وإن لم يتعمّد ، فهو الجنف دون إثم (٣) ، فالمعنى : من وعظه في ذلك وردّه عنه ، وأصلح ما بينه وبين ورثته ، وما بين الورثة في ذاتهم ، فلا إثم عليه ؛ (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) بالموصي ، إذا عملت فيه الموعظة ، ورجع عما أراد من الإذاءة.
وقال ابن عبّاس وغيره : معنى الآية : (فَمَنْ خافَ) ، أي : علم ، ورأى بعد موت الموصي ؛ أن الموصي حاف ، وجنف ، وتعمّد إذاءة بعض ورثته ، (فَأَصْلَحَ) ما بين الورثة ، (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ، وإن كان في فعله تبديل ما ؛ لأنه تبديل لمصلحة ، والتبديل الذي فيه الإثم إنما هو تبديل الهوى (٤).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ
__________________
(١) تقدم.
(٢) التنزير : تفعيل من النّزر ، وهو : القليل التافه من كل شيء. والمقصود ألا يقلل من الوصية ولو شيئا يسيرا.
(٣) أخرجه الطبري (٢ / ١٢٩) برقم (٢٦٩٧ ـ ٢٦٩٨) بإسنادين مختلفين ، عن مجاهد. وذكره ابن عطية (١ / ٢٤٩) ، والبغوي في تفسيره (١ / ١٤٨) ، والسيوطي في «الدر» (١ / ٣٢١) ، وعزاه لابن جرير ، وعبد بن حميد.
(٤) أخرجه الطبري (٢ / ١٢٩) برقم (٢٦٩٩) ، وذكره ابن عطية (١ / ٢٤٩) ، والسيوطي في «الدر» (١ / ٣٢٠) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم.