الآية ، هو أن يأخذ الرجل دية وليّه ، ثم يقتل القاتل بعد سقوط الدم.
واختلف في العذاب الأليم الّذي يلحقه ، فقال فريق من العلماء ، منهم مالك : هو كمن قتل ابتداء ، إن شاء الوليّ قتله ، وإن شاء ، عفا عنه ، وعذابه في الآخرة ، وقال قتادة وغيره : يقتل البتّة ، ولا عفو فيه (١) ، وروي في ذلك حديث عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم.
وقوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) : المعنى : أن القصاص إذا أقيم ، وتحقّق الحكم به ، أزدجر من يريد قتل أحد مخافة أن يقتصّ منه ، فحييا بذلك معا ، وأيضا : فكانت العرب إذا قتل الرجل الآخر ، حمي قبيلاهما (٢) ، وتقاتلوا ، وكان ذلك داعيا إلى موت العدد الكثير ، فلمّا شرع الله سبحانه القصاص ، قنع الكلّ به ، ووقف عنده ، وتركوا الاقتتال ، فلهم في ذلك حياة ، وخصّ أولو الألباب بالذّكر ، تنبيها عليهم ؛ لأنهم العارفون القابلون للأوامر والنواهي ، وغيرهم تبع لهم.
و (تَتَّقُونَ) معناه : القتل ، فتسلمون من القصاص ، ثم يكون ذلك داعية لأنواع ٤٤ أالتقوى في غير ذلك ، فإن الله سبحانه / يثيب على الطاعة بالطاعة.
(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (١٨٠) فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٨١) فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(١٨٢)
وقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ...) الآية : (كُتِبَ) : معناه : فرض وأثبت ، وفي قوله تعالى : (إِذا حَضَرَ) مجاز ؛ لأن المعنى : إذا تخوّف وحضرت علاماته.
والخير في هذه الآية : المال ، واختلف في هذه الآية ، هل هي محكمة ، أو منسوخة ، فقال ابن عبّاس ، وقتادة ، والحسن : الآية عامّة ، وتقرّر الحكم بها برهة ، ونسخ منها كلّ من يرث بآية الفرائض (٣) ، وقال بعض العلماء : إن الناسخ لهذه الآية هي السّنّة المتواترة ، وهو
__________________
(١) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (١ / ٢٤٦) عن قتادة ، وعكرمة ، والسدي ، وغيرهم.
(٢) القبيل : الجماعة من الناس يكونون من الثلاثة فصاعدا من قوم شتى ، كالزنج والروم والعرب ، وقد يكونون من نحو واحد ، وربما كان القبيل من أب واحد كالقبيلة. وجمع القبيل قبل. ينظر : «لسان العرب» (٣٥١٩)
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٢ / ١٢٢ ـ ١٢٣) عن ابن عباس ، والحسن ، وقتادة بألفاظ متقاربة ، وأخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» عن قتادة ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (١ / ٢٤٨)