روي عن ابن عبّاس ؛ أنّ هذه الآية محكمة (١) ، وفيها إجمال فسّرته آية «المائدة» ، وأن قوله سبحانه : (الْحُرُّ بِالْحُرِّ) يعمّ الرجال والنساء ، وأجمعت الأمة على قتل الرجل بالمرأة ، والمرأة بالرجل(٢).
وقوله تعالى : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ...) الآية : فيه تأويلات :
أحدها : أنّ «من» يراد بها القاتل ، و «عفي» : تتضمن عافيا ، وهو وليّ الدم ، والأخ : هو المقتول ، و «شيء» : هو الدم الذي يعفى عنه ، ويرجع إلى أخذ الدية ، هذا قول ابن عبّاس ، وجماعة من العلماء (٣) ، والعفو على هذا القول على بابه.
والتأويل الثّاني : وهو قول مالك ؛ أنّ «من» يراد بها الوليّ ، وعفي : بمعنى : يسّر ، لا على بابها في العفو ، والأخ : يراد به القاتل ، و «شيء» : هي الدية ، والأخوّة على هذا أخوّة الإسلام.
والتأويل الثالث : أنّ هذه الألفاظ في معنى : الّذين نزلت فيهم الآية ، وهم قوم تقاتلوا ، فقتل بعضهم بعضا ، فأمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم أن يصلح بينهم ، ويقاصّهم بعضهم من بعض بالدّيات على استواء الأحرار بالأحرار ، والنساء بالنساء ، والعبيد بالعبيد ، فمعنى الآية : فمن فضل له من إحدى الطائفتين على الأخرى شيء من تلك الدّيات ، وتكون : «عفي» بمعنى فضل.
وقوله تعالى : (فَاتِّباعٌ) : تقديره : فالواجب والحكم : اتباع ، وهذا سبيل الواجبات ؛ كقوله تعالى : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ) [البقرة : ٢٢٩] وأما المندوب إليه ، فيأتي منصوبا ؛ كقوله تعالى : (فَضَرْبَ الرِّقابِ) [محمد : ٤] ، وهذه الآية حضّ من الله تعالى على حسن الاقتضاء من الطالب ، وحسن القضاء من المؤدّي.
وقوله سبحانه : (ذلِكَ تَخْفِيفٌ) إشارة إلى ما شرعه لهذه الأمة ، من أخذ الدية ، وكانت بنو إسرائيل لا دية عندهم ، إنما هو القصاص فقط ، والاعتداء المتوعّد عليه في هذه
__________________
(١) المحكم : هو ما لا يحتمل شيئا من ذلك ، وحكمه بثبوت ما انتظمه على اليقين ، ويرادفه المبين عند علماء الشافعية.
(٢) أخرجه الطبري (٢ / ١١٠) برقم (٢٥٧٩) ، والبيهقي في «السنن» (٨ / ٣٩ ـ ٤٠) ، وذكره ابن عطية (١ / ٢٤٥) ، وأورده ابن عباس في «تفسيره» (ص ٩٣ / ٥٢) وابن كثير (١ / ٢٠٩) ، والسيوطي في «الدر» (١ / ٣١٦) ، وعزاه للنحاس في «ناسخه».
(٣) ذكره ابن عطية في «التفسير» (١ / ٢٤٥)