وعليك بالتمسّك بالطريقة الوسطى ، وخف الله فيما خوّلك ، وأعطى ، قال أبو بكر : فلمّا ودعته ، قال : أتحمل عنّي إلى ذلك النبيّ أبياتا ، قلت : نعم ، فأنشأ الشيخ يقول : [الطويل]
ألم تر أنّي قد سئمت معاشري |
|
ونفسي وقد أصبحت في الحيّ عاهنا |
حييت وفي الأيّام للمرء عبرة |
|
ثلاث مئين بعد تسعين آمنا |
وقد خمدت منّي شرارة قوّتي |
|
وألفيت شيخا لا أطيق الشّواحنا |
وأنت وربّ البيت تأتي محمّدا |
|
لعامك هذا قد أقام البراهنا |
فحيّ رسول الله عنّي فإنّني |
|
على دينه أحيا وإن كنت قاطنا |
قال أبو بكر : فحفظت شعره ، وقدمت مكّة ، وقد بعث النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فجاءني صناديد (١) قريش ، وقالوا : يا أبا بكر ، يتيم أبي طالب ، يزعم أنه نبيّ ، قال : فجئت إلى منزل النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقرعت عليه ، فخرج إليّ ، فقلت : يا محمّد ، فقدت من منازل قومك ، وتركت دين آبائك؟ فقال : يا أبا بكر ، إنّي رسول الله إليك ، وإلى النّاس كلّهم ، فآمن بالله ، فقلت ؛ وما دليلك؟ قال : الشّيخ الرّاهب الّذي لقيته باليمن ، قلت : وكم من شيخ لقيت! قال : ليس ذلك أريد ، إنّما أريد الشّيخ الّذي أفادك الأبيات ، قلت : ومن أخبرك بها؟ قال : الرّوح الأمين الّذي كان يأتي الأنبياء قبلي ، قلت : مدّ يمينك ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّك رسول الله ، قال أبو بكر : فانصرفت وما بين لابتيها أشدّ من رسول الله صلىاللهعليهوسلم فرحا بإسلامي». انتهى من تأليف ابن القطّان في «الآيات والمعجزات».
و (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ) ، أي : آيات القرآن ، و (الْكِتابَ) : القرآن ، قال قتادة : (وَالْحِكْمَةَ) السنة (٢) ، وروى ابن وهب (٣) عن مالك ؛ أن (الْحِكْمَةَ) : الفقه في الدين (٤) ، والفهم الذي هو سجيّة ونور من الله تعالى.
__________________
(١) هم أشرافهم وعظماؤهم ، واحدها صنديد. ينظر : «لسان العرب» (٢٥٠٧)
(٢) أخرجه الطبري (١ / ٦٠٧) برقم (٢٠٨٣) وذكره ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (١ / ٢١٢) والسيوطي في «الدر» (١ / ٢٥٥) ، وعزاه لعبد بن حميد ، ابن جرير. وذكره ابن كثير (١ / ١٨٤)
(٣) ابن وهب هو أبو محمد ، عبد الله بن وهب بن مسلم ، القرشي ، مولاهم. روى عن علماء كثيرين منهم مالك ، والليث ، وابن أبي ذئب ، والسفيانان. وقرأ على نافع بن أبي نعيم ، تفقه بمالك ، والليث ، وابن أبي دينار ، وأبي حازم ، وغيرهم. له مصنفات كثيرة ، منها : سماعه من مالك ، وجامعه الكبير ، وكان مولده سنة خمس ب «مصر» وتوفي يوم الأحد لخمس بقين من شعبان سنة سبع وتسعين ومائة.
ينظر : «الديباج المذهب» (١ / ٤١٣) ، و «تذكرة الحفاظ» (١ / ٢٧٧) ، و «البداية والنهاية» (١٠ / ٢٤٠)
(٤) أخرجه الطبري (١ / ٦٠٧) برقم (٢٠٨٤) ، وذكره ابن عطية (١ / ٢١٢) ، وابن كثير (١ / ١٨٤)