مرّة» ، إنّما هو رجوعه من حالة إلى أرفع منها ؛ لتزيّد علومه ، واطلاعه على أمر ربه ، فهو يتوب من منزلة إلى أعلى ، والتوبة هنا لغويّة ، وقوله : (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ ...) الآية : هذا هو الذي أراد النبيّ صلىاللهعليهوسلم بقوله : «أنا دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى عيسى» ، ومعنى (مِنْهُمْ) ، أي : يعرفوه ، ويتحقّقوا فضله ، ويشفق عليهم ، ويحرص.
* ت* : وقد تواترت أخبار نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوسلم وبعثته في الكتب السالفة ، وعلم بذلك الأحبار ، وأخبروا به ، وبتعيين الزّمن الذي يبعث فيه.
وقد روى البيهقيّ أحمد بن الحسين (١) ........
__________________
ـ فالأقسام ثمانية. أما صدور الكبائر عنهم عمدا ، فمنعه الجمهور من محققي الأشاعرة والمعتزلة ، وأما صدورها عنهم سهوا أو على سبيل الخطأ في التأويل ، فجوزه الأكثرون ، والمختار خلافه. وأما الصغائر عمدا فجوزه الجمهور ؛ خلافا للجبائي. وأما صدورها سهوا ، فهو جائز باتفاق أكثر أصحابنا وأكثر المعتزلة ؛ بشرط أن ينبهوا عليه فينتهوا عنه ، إلا الصغائر التي تدل على الخسة ودناءة الهمة ، كسرقة حبة أو لقمة ؛ فإنها لا تجوز أصلا ، عمدا ولا سهوا. وهذا كله بعد الاتصاف بالنبوة. وأما قبلها فعند أكثر أصحابنا وجمع من المعتزلة لا يمتنع أن يصدر عنهم كبيرة (أقول : أي عمدا كان أو سهوا) وقال أكثر المعتزلة : تمتنع الكبيرة وإن تاب عنها ؛ لأن صدور الكبيرة يوجب النفرة ممن ارتكبها ، والمنفور عنه لا يتبعه الناس ، فتفوت مصلحة البعثة. وفي «شرح العقائد» : ومن المعتزلة من منع ما ينفر الطباع عن متابعتهم ، سواء كان ذنبا لهم أو لا ، كعهر الأمهات ، أي كونهن زانيات ، والفجور في الآباء ودنائتهم أو استرذالهم. كذا في شرح «المواقف». وفي شرح «العقائد» : أنه الحق. ولعل ضميري الجمع في «دنائتهم ، واسترذالهم» راجعان إلى الأنبياء ، ولا يبعد رجوعهما إلى الآباء. وعند الروافض : لا يجوز صغيرة ولا كبيرة ، لا عمدا ولا سهوا ، ولا خطأ في التأويل قبل الوحي وبعده. والمفهوم من شرح «العقائد» : أن الشيعة كالروافض في هذا الحكم إلا أنهم جوزوا إظهار الكفر عند خوف الهلاك.
تنبيه : العصمة عندنا على ما يقتضيه أصلنا من استناد الأشياء كلها إلى الفاعل المختار ابتداء : ألا يخلق الله (تعالى) فيهم ذنبا. وهي عند الفلاسفة بناء على ما ذهبوا إليه من القول بإيجاب الفعل عند استعداد القوابل ملكة ، أي صفة نفسانية راسخة تمنع صاحبها من الفجور ، وتحصل هذه الصفة النفسانية ابتداء بالعلم بمعايب المعاصي ومناقب الطاعات ، وتتأكد وتترسخ هذه الصفة في الأنبياء بتتابع الوحي إليهم بالأوامر والنواهي ، والاعتراض على ما يصدر عنهم من الصغائر وترك الأولى ؛ فإن الصفات النفسانية تكون في ابتداء حصولها أحوالا ، أي غير راسخة ثم تصير ملكات ، أي راسخة في محلها ، كذا في شرح «المواقف».
ينظر : «نشر الطوالع» (٣٣٨ ـ ٣٤٢).
(١) أحمد بن الحسين بن علي بن موسى ، الإمام الحافظ الكبير ، أبو بكر البيهقي سمع الكثير ورحل وجمع وصنف ، مولده سنة ٣٨٤ ، تفقه على ناصر العمري ، وأخذ علم الحديث عن أبي عبد الله الحاكم ، وكان كثير التحقيق والإنصاف ، قال إمام الحرمين : ما من شافعي إلا وللشافعي عليه منه إلا البيهقي ، فإن له على الشافعي منه لتصانيفه في نصرة مذهبه ، ومن تصانيفه : «السنن الكبير» ، و «السنن الصغير» ، ـ