إبراهيم ، فرفع قواعده ، وقيل : إن إبراهيم ابتدأ بناءه بأمر الله ، وقيل غير هذا.
* ع (١) * : والذي يصحّ من هذا كلّه أن الله سبحانه أمر إبراهيم برفع قواعد البيت ، / وجائز قدمه ، وجائز أن يكون ذلك ابتداء ، ولا يرجح شيء من ذلك إلا بسند يقطع العذر.
(وَإِسْماعِيلُ) : عطف على (إِبْراهِيمُ) ، والتقدير : يقولان : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ، أي : السميع لدعائنا ، العليم بنيّاتنا ، وخصّا هاتين الصفتين ؛ لتناسبهما مع حالهما ، وقولهما : (اجْعَلْنا) بمعنى : صيّرنا مسلمين ، وكذلك كانا ، وإنما أرادا التثبيت والدوام ، والإسلام في هذا الموضع. الإيمان والأعمال جميعا ، «ومن» في قوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا) للتبعيض ؛ لأن الله تعالى قد كان أعلمه أنّ منهم ظالمين ، والأمّة : الجماعة ، (وَأَرِنا) قالت طائفة : من رؤية البصر ، وقالت طائفة : من رؤية القلب ، وهذا لا يصحّ ، قال قتادة : المناسك معالم الحجّ ، واختلف في معنى طلبهم التوبة ، وهم أنبياء معصومون ، فقالت طائفة : طلبا التثبيت والدوام ، وقيل : أرادا من بعدهما من الذّرّيّة ، وقيل ، وهو الأحسن ؛ إنهما لما عرفا المناسك ، وبنيا البيت ، أرادا أن يسنا للناس ؛ أنّ تلك المواطن مكان التنصّل من الذنوب ، وطلب التوبة.
وقال الطبريّ : إنه ليس أحد من خلق الله إلا بينه وبين الله معان يحب أن تكون أحسن ممّا هي ، وأجمعت الأمة على عصمة الأنبياء في معنى التبليغ ، ومن الكبائر ومن الصغائر الّتي فيها رذيلة ، واختلف في غير ذلك من الصغائر ، والذي أقول به أنهم معصومون من الجميع (٢) ، وأنّ قول النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «إنّي لأتوب في اليوم وأستغفر الله سبعين
__________________
(١) «المحرر الوجيز» (١ / ٢١٠)
(٢) وفي «شرح المواقف» : أجمع أهل الملل والشرائع كلها على وجوب عصمتهم عن تعمد الكذب في دعوى الرسالة وما يبلغونه من الله (تعالى) إلى الخلائق ، وفي جواز صدور الكذب عنهم فيما ذكر على سبيل السهو والنسيان خلاف ، فمنعه الأستاذ أبو إسحاق وكثير من الأئمة ؛ لدلالة المعجزة على صدقهم في تبليغ الأحكام. وجوز القاضي أبو بكر ، وقال : إنما دلت المعجزة على صدقه فيما هو متذكر له عامد إليه ، وأما ما كان من النسيان وفلتات اللسان ، فلا دلالة للمعجزة على الصدق فيه ، فلا يلزم من الكذب هناك نقص لدلالتها. وأما ما سوى الكذب في التبليغ ، فهو إما كفر أو غيره من المعاصي ، أما الكفر فأجمعت الأمة على عصمتهم عنه قبل النبوة وبعدها.
وجوز الشيعة إظهار الكفر وقاية لنفسه عند الهلاك ، وذلك باطل ؛ لأنه يفضي إلى إخفاء الدعوة بالكلية ؛ لضعفهم وقلة موافقتهم وكثرة مخالفتهم عند دعوتهم أولا. وأيضا منقوض بدعوة إبراهيم وموسى (عليهماالسلام) في زمن نمرود وفرعون مع شدة خوف الهلاك. وأما غير الكفر فإما كبائر أو صغائر ، وكل منهما إما أن يصدر عمدا أو سهوا ، فالأقسام أربعة ، وكل واحد منهما إما قبل البعثة أو بعدها ،