ويرضى بما قسم له ، ويعتقد فيما فات أن ذلك لمصلحة ، ويعتقد أن ما ناله من نعمة الله فهو من الله تعالى ، أو بتسبيبه ، ولا يظهر جزعا.
وليس من تعلق بالتجارة والحرف يخرج عن التوكل ، وقد قال تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ).
وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «طلب الحلال فريضة بعد الفريضة» وقد فعل ذلك سادات الأمة ، وأعيان الصحابة والتابعين ، وذم صلىاللهعليهوآلهوسلم من ترك السعي ، وذلك فيما رواه الحاكم عن ابن عباس قال : (مر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بقوم في قباء بالمدينة ، فمنهم من يصلي ، ومنهم من يتذاكر العلم ، ومنهم من يتدارس القرآن ، فوقف عندهم ساعة ، ثم قال : «من أنتم»؟ فقالوا : يا رسول الله نحن قوم قرأنا القرآن فمررنا بقوله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) فتوكلنا على الله فهو حسبنا ، فنحن المتوكلون ، وأن الله سيرزقنا من حيث لا نحتسب ، فقال : «يا قوم قوموا وتفرقوا ، واكتسبوا ، وابتغوا من فضل ربكم ، فإن الله لم يأمرنا بهذا» ثم قال في آخر الخبر : «أنتم المتواكلون على الناس» وفي حديث : لما قالوا نحن المتوكلون ، قال : «كذبتم ، أنتم المتوكلون ، إنما المتوكل رجل ألقى الحب وهو ينتظر الغيث» وقد ورد في ذلك أخبار وآثار.
وقسم العلماء المكاسب إلى واجب ، ومندوب ، ومحظور ، ومكروه ، فما دفع به مضرة نفسه ومن يعول فذلك واجب ، وما يبتغي به على الإنفاق في القرب فمندوب ، وما كان بوجه حرام أو طلب مفاخرة فحرام ، وما قصد به الكثرة والثروة فمكروه ، ولم يبق للمباح صورة على هذا التقسيم.
وقد ذكر في المنتخب من الإحياء (١) أن ترك التكسب أفضل لعابد
__________________
(١) كتاب المنتخب ـ المنتزع من كتاب إحياء العلوم للغزالي.