قوله : (أَفَأَمِنَ).
قد ذكرنا أنه حرف استفهام ؛ إلا أنه من الله غير محتمل ذلك ، وهو على الإيجاب (١).
ثم هو يخرج على وجهين :
أحدهما : على الخبر أنهم قد أمنوا مكره.
والثاني : على النهي ؛ أي : لا تأمنوا ؛ كقوله : (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) [الأعراف : ٩٩].
هذا يشبه أن يكون على هذا الذي ذكرنا أنه إخبار عن أمنهم مكر الله ، وعلى النهي ألا يأمنوا ، ثم أخبر أنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون الكافرون ؛ لأنهم كذبوا الرسل فيما أوعدوا لهم من العذاب ، فأمنوا لذلك ، أو لما لم يعرفوا الله ، ولم يعرفوا حقوقه ، ونعمته ، ونقمته ، فأمنوا لذلك وأمّا من عرف الله ؛ وعرف حقه ، ونعمته ، وعرف نقمته ؛ فإنه لا يأمن مكره ، والله أعلم.
ثم قوله : (مَكَرُوا السَّيِّئاتِ).
قال بعضهم : مكرهم السيئات : هو ما مكروا برسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ما لو أصابهم ذلك لساءهم ، وما ظاهروا عليهم عدوهم.
وقال بعضهم (٢) : مكرهم السيئات : هو أعمالهم التي عملوها ، وكل ذلك قد كان منهم ، كانوا مكروا برسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، وكانوا ظاهروا عليهم عدوهم ، وقد عملوا أعمالهم الخبيثة السيئة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ).
أي : أمنوا حين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض ، أو يأخذهم العذاب من حيث لا يشعرون في الحال التي لا يكون لهم أمن ولا خوف.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ).
قيل (٣) : في أسفارهم وفي تجاراتهم ؛ لأن الناس إنما يسافرون ويتجرون في البلدان في حال أمنهم.
__________________
(١) في ب : الإيجاب ذلك.
(٢) قاله الضحاك بنحوه ، أخرجه ابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٢٢٣).
(٣) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢١٦١٤) ، وعن قتادة (٢١٦١٥) ، و (٢١٦١٦) وانظر : الدر المنثور (٤ / ٢٢٣).