أحدهما : ما كان هذا القرآن بالذي يحتمل الافتراء من دون الله ؛ لخروجه عن طوق البشر ووسعهم ، فذلك بالذي يحيله كونه مفترى بجوهره.
والثاني : لما أودع فيه من الحكمة والصدق يدل على كونه من عند الله ؛ إذ كلام غيره يحتمل السفه والكذب ويحتمل الاختلاف.
(وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ) قيل فيه بيان الكتب التي نزلت قبله ، وتمامه أن هذا وإن كان في اللفظ مختلفا فهو في الحكمة والصدق مبين موافق للأول. وقيل : (وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ) [أي : تفصيل](١) ما كتب لهم وما عليهم. أو أن يقال؟ إلى الله تفصيل الكتب ليس إلى غير (لا رَيْبَ فِيهِ) أنه من عند رب العالمين.
أو يقول : مفصل من اللوح المحفوظ.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) يقول : إن كان محمد افتراه من عند نفسه ، فأتوا أنتم بمثله (٢) ؛ إذ لسانه ولسانكم واحد ، فأنتم قد عرفتم بالفرية والكذب ، ومحمد لم يعرف به قط ، ولا أخذ عليه بكذب قط ، فأنتم أولى أن تأتوا بسورة مثله.
(وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) اختلف فيه :
قال بعضهم : ادعوا بآلهتكم التي تعبدونها ؛ ليعينوكم على إتيان (٣) مثله.
وقال بعضهم (٤) : (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ) أي : بمن لسانه مثل لسانكم ؛ ليعينوكم على ذلك.
أو يقول : استعينوا بدراسة الكتب ؛ ليعينوكم على مثله إن كنتم صادقين أن محمدا افتراه من نفسه ؛ فدل ترك اشتغالهم بذلك على أنهم قد عرفوا أنه ليس بمفترى ، وأنه سماوي.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ).
قال بعضهم : ما لم يحفظوا نظمه ، ولا لفظه ، ولا نظروا فيه ، ولا تدبروا ؛ ليعلموا معناه ، بل كذبوه بالبديهة ، والشيء إنما يعرف كذبه وصدقه بالنظر فيه والتفكر والتدبر ، لا بالبديهة ، فذلك ـ والله أعلم ـ تأويل قوله : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ).
الثانى : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) كذبوا على علم منهم أنهم كذبة فيما يقولون ، ويتقولون : إنه مفترى ليس بمنزل (وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) ، أي : ولما يأتهم العلم بتأويله ، أي : بتأويل القرآن.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : بسورة مثله.
(٣) في ب : إثبات.
(٤) قاله البغوي في تفسيره (٢ / ٣٥٤).