في الأصنام التي قالوا : إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى ؛ فأما في الله فلا شك أنه لم يزل معبودا فاطر السموات والأرض.
يشبه أن يكون على الإضمار ؛ أي : أفي الله شك وقد تقرون أنه فاطر السموات والأرض ؛ وتعلمون أنه خالقهما.
ويحتمل أن يكون على الاحتجاج ؛ أي : أفي الله شك وهو فاطر السموات والأرض؟! أي : تعلمون أنه فاطر السموات والأرض وتقرون أنه خالقهما.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ).
هذا يحتمل [وجهين : يحتمل](١) : ليغفر لكم ذنوبكم التي كانت لكم في حال الفترة إذا أسلمتم.
وفيه دلالة ـ والله أعلم ـ : أن المآثم التي كانت لهم في وقت الفترة ـ مأخوذة عليهم ؛ ثم وعد لهم المغفرة إذا أسلموا.
والثاني : وعد المغفرة والتجاوز ؛ لما كان منهم من الافتراء على الله ؛ والقول فيه بما لا يليق به ؛ إذا أسلموا وتابوا عن ذلك ؛ أي : إنكم ، وإن افتريتم على الله وقلتم فيه ما قلتم ؛ وكذبتم رسله ، فإذا أسلمتم وتبتم وصدقتم رسله ـ غفر لكم ذلك كله وفيه ذكر لطفه وحسن معاملته خلقه (٢).
ويحتمل أيضا قوله : (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) جواب ما قالوا : (إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا) [القصص : ٥٧].
[ويحتمل أيضا قوله : (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ)](٣) يقول : إذا أسلمتم وتبتم لا تتخطفون ؛ ولكن تبلغون إلى آجالكم المسماة ويؤخركم إلى أجل مسمّى.
يتعلق المعتزلة بظاهر هذه الآية أن لكل إنسان أجلين : أجل في حال إذا كان فعل فعل كذا ، وأجل في حال إذا فعل كذا ؛ لكن جعل الأجلين إنما يكون بجهل في العواقب ممن من يجهل العواقب ، فأمّا الله سبحانه وتعالى فهو عالم بما كان ويكون ؛ فلا يحتمل أن
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) قال ابن الخطيب : دلت الآية على أنه ـ تعالى ـ يغفر الذنوب من غير توبة في حق المؤمن ؛ لأنه قال : (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) وعد بغفران الذنوب مطلقا من غير اشتراط التوبة ؛ فوجب أن يغفر بعض الذنوب مطلقا من غير التوبة ، وذلك البعض ليس هو الكفر ؛ لانعقاد الإجماع على أنه ـ تعالى ـ لا يغفر الكفر إلا بالتوبة عنه والدخول في الإيمان ؛ فوجب أن يكون البعض الذي يغفر من غير التوبة ما عدا الكفر من الذنوب.
ينظر : اللباب (١١ / ٣٥١).
(٣) سقط في ب.