ومن رد دعاءه كان له النار ودار الهوان ؛ فأيهما اختار ، فله الموعود الذي وعد ؛ إن اختار إجابته إلى ما دعاه ؛ فله النعيم الدائم الذي وعد ودار السلام ؛ وإن اختار الرد وترك الإجابة ، فله ما وعد من العذاب الدائم والهوان.
والأمثال التي ذكر أنها (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى) هو هكذا للمؤمنين ؛ لأنهم هم المنتفعون بها ، وكذلك ما ذكر من القرآن أنه هدى ورحمة للمؤمنين ، وأمّا على أهل الكفر ؛ فهو عمى وضلال. وكذلك قوله : (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) [التوبة : ١٤] وأمّا قلوب الكفرة فما ذكر : (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) [التوبة : ١٢٥] و (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) [البقرة : ١٠] وأمثاله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ).
أي : ضعفه معه ؛ لافتدوا به ، يذكر هذا ـ والله أعلم ـ أن الذي (١) كان يمنعهم عن الإجابة إلى ما دعاهم إليه ـ رغبتهم في هذه الدنيا ؛ وميلهم إليها ؛ يتمنون ـ لما يحل فيهم من العذاب والشدائد ـ أن يكون لهم ما في الأرض جميعا أن يفتدوا به.
(أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ).
أي : يحاسبون حسابا يسوءهم ؛ لأن حسناتهم التي عملوها وطمعوا الانتفاع بها ـ لم تنفعهم بل صارت كالسراب الذي ذكر : (يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) [النور : ٣٩] ولم يتجاوز عن سيئاتهم (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) أي : الذي يأوون إليه ؛ هو جهنم وبئس المهاد ؛ لما يسوءهم ذلك والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ) أي : من يعلم الحق حقّا كمن هو يعمى عنه ولا يعلم؟ أو من يعلم الحقّ أنه حق ؛ كمن يعلمه باطلا؟ ليسا بسواء ؛ كقوله : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر : ٩].
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ).
[أي](٢) إنما يتذكر ـ بالتذكير أولو الألباب وذوو العقول ؛ الذين ينتفعون بعقولهم ولبّهم.
ثم بين من هم فقال : (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ).
يحتمل عهد الله عهد خلقه ؛ يوفون بما في خلقتهم [من العهد](٣) ؛ إذ في خلقة كل أحد ـ دلالة وحدانيته ، وشهادة ألوهيته ؛ فوفوا ذلك العهد.
__________________
(١) في أ : الذين.
(٢) سقط في ب.
(٣) سقط في ب.