أحدها : لما رأى فيهما من الضعف في أنفسهما ، والعجز في أبدانهما ، فازدادت شفقته لهما وعطفه عليهما لذلك ، وهذا مما يكون فيما بين الخلق.
أو كان ذلك منه لهما لصغرهما ، وهذا ـ أيضا ـ معروف في الناس أن الصغار من الأولاد يكونون (١) عندهم أحب ، وقلوبهم إليهم أميل ، وعليهم (٢) أعطف ، ولهم أرحم من الكبار منهم.
أو خصهما بذلك لفضل خصوصية كانت لهما إما من جهة الدين ، أو العلم ، أو غيره ، أمره الله بذلك لذلك من دون غيرهما.
أو لما بشر يعقوب بنبوة يوسف ، فكان يفضله على سائر أولاده ، ويؤثره عليهم لذلك.
وإنما قالوا : (لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا) بآثار تظهر عندهم ، وإلا حقيقة المحبة لا تعرف.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ).
قيل : العصبة : الجماعة (٣).
وقال بعضهم : العصبة من عشرة إلى أربعين (٤) ، والعصبة : الجماعة ، أي : نحن جماعة ولنا منعة ؛ ولهذا قال أصحابنا : إن التسعة مع الإمام تكون منعة يستوجبون ما تستوجب السرية إذا دخلت دار الحرب ، فغنمت غنائم يخمس منها.
وقوله : (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ).
لم يعنوا ضلال الدين ؛ إنما قالوا ذلك ـ والله أعلم ـ إنا جماعة تقدر على دفع من يروم الضرر به ، ويقصد قصد الشر بنفسه وماله ، ونحن أولو قوة ، بنا يقوم معاشه وأسبابه ، فكيف يؤثر هؤلاء علينا؟! وكذلك قوله : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) [الضحى : ٧] ، لم يرد به ضلال الدين ، ولكن وجها آخر ، وقالوا ذلك ؛ لما كانت له منافع من أنفسهم لم تكن تلك المنافع من يوسف وأخيه ، وأبدا إنما يؤثر المرء حب من له منافع من قبله ، لا حبّ من لا منفعة له منه ، فهو فيه في ضلال مبين ؛ حيث يؤثر حب من لا منفعة له منه على حب من كانت له منه منافع وأمثاله ، والله أعلم.
وقولهم : (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ).
لا يحتمل أن يكونوا عزموا على قتله ، ولكن على المشاورة فيما بينهم : نفعل ذا أو ذا ؛
__________________
(١) في ب : يكون.
(٢) في أ : عليه.
(٣) ذكره ابن جرير (٧ / ١٥٢) ، والبغوي (٢ / ٤١١).
(٤) ذكره البغوي (٢ / ٤١١) ، وأبو حيان في البحر (٥ / ٢٨٤).