الآية [القصص : ٨] ، أو أن يقال ذلك على أنه كذلك في فعله عند الله وإن جهله هو ، أو يوجب السفه في الفعل والعبث ؛ إذ هو يقصد بفعله ما يعلم أنه لا يكون ، أو يريد ما يتيقن أنه لا يبلغ ، وإذا كان كذلك فإعطاء الله ـ تعالى ـ القدرة ليؤمن ، أو خلقه ليعبد ، وأراد أنه يفعل ذلك ، واختار ذلك الفعل ، لذلك يوجب أحد ذينك الوجهين جل الله عنهما وتعالى ، وقد ثبت أن الله ـ تعالى ـ عالم بالعواقب ، متعال عن العبث ، ثبت أنه خلق من خلق ، وأعطى ما أعطى لما علم أنه يكون ، وقد علم ما يكون ، وعلى هذا التقدير (١) يخرج الأمر في قوله : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ ...) الآية [الأعراف : ١٧٩] ، وقوله : (وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ ...) الآية [التوبة : ٨٥].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) أنه خلقهم للذى علم أنهم يصيرون إليه من اختلاف أو اتفاق ، أو عداوة أو ولاية ، لا يريد غير الذي علم ، ولا يعلم غير الذي يكون ممن يعلم ما يكون ، ولا قوة إلا بالله.
وقالت المعتزلة : قوله : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) أي : للرحمة خلقهم ؛ فقال : بعض متكلمي أصحابنا : إن الرحمة تذكر بالتأنيث وهو إنما ذكر بالتذكير ؛ حيث قال : (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) ولم يقل : ولتلك خلقهم دل أنه ليس على ما يقولون.
وقال قائلون : للاختلاف خلقهم إلا من رحم ربك.
وقال بعضهم : هو صلة قوله : (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) أي : خلقهم لئلا يهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون.
وعندنا ما ذكرنا أنه خلقهم للذى علم أنه يكون منهم ، وأنهم يصيرون إليه من الاختلاف أو الاتفاق ، أو العداوة أو الولاية ، لا يخلقهم لغير الذي علم أنه يكون منهم ، ولا يريد ـ أيضا ـ غير ما علم أنهم يصيرون إليه ، ولا يعلم غير ما يكون منهم ، والله الموفق.
وتأويل المعتزلة في قوله : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) أنها مشيئة [القسر والقهر](٢) ، فذلك بعيد ؛ لأنه لا يكون في حال القهر والاضطرار إيمان ؛ لأن من أكره واضطر على الإيمان حتى آمن فإنه لا يكون إيمانه إيمانا ، إنما يكون الإيمان إيمانا في حال الاختيار إذا آمن مختارا ممتحنا فيه ، فعند ذلك يكون إيمانه إيمانا دل أن تأويلهم فاسد.
__________________
(١) في ب : التقرير.
(٢) في ب : القهر والقسر.