يشأ ، فكان عندهم ، فهو كمن ظهر عجزه بجميع أدلة العجز ، ثم يدع أن له القدرة بها ، يقهر ما يشاء ، فذلك كمن لا يقوم للانتصاب والنهوض فيدع أنه يقدر على الصعود ، أو من لا يملك إمساك مثل ذرة أنه ممسك السموات والأرض. على أنه لو كان كذلك ليجيء أن يكون يقدر على فعل الكفر والسفه والكذب ، إذ من يقدر على فعل شيء (١) لا يقدر على فعل ضده عندهم ليس ذلك بقدرة.
ثم لو كان ذلك كله بلا غير ، يصير له فعلا ، فكان يكون في الحقيقة سفيها كذوبا ، ومن كان ذلك وصفه فهو غير رب ولا حكيم ، ومن ربوبيته تحت قدرة غيره أو حكمته تحتمل المضادات ، فهو مسئول عما يفعل ، مطالب بالحجج (٢) ، فأنى يكون لمن ذلك وصفه ربوبية جل عن ذلك.
والثاني : أن الذي يكون بالقسر والقهر يكون أمر الخلقة ، لا أمر فعل العبد ، وذلك في الحقيقة لله ، لا للبشر ، وما هو له من جهة الخلقة موجود ؛ لأن نفس كل أحد بالخلقة مؤمن ، وقد شاء الله تلك المشيئة ، فالقول بلو شاء لا معنى له ؛ بل قد شاء وكان ، ولا قوة إلا بالله.
والثالث : أنه وعد أن لو شاء أن يجعل كذا لفعل ؛ وهو لو فعل لكان يجعل من قد آمن منهم في الحقيقة مؤمنا في المجاز ، كافرا في الحقيقة ؛ لأنهم بهذا يصيرون أمّة واحدة ؛ إذ صار كثير منهم مؤمنين بالاختيار ، لا يحتمل أن يجعلهم على غير ذلك ، فيكون محمودا عدلا ، والله الموفق.
ثم الأصل أن الله ـ تعالى ـ قد جعل أدلة كل موعود في الحس ظاهرا ، وكل مقدور عليه بالوعد والدعوى له مما جبل عليه أمرا بيّنا ، وهذا النوع من المشيئة عندهم والدعوى بما جعل جميع مانع لأن يكون كائنا (٣) ، فيصير بالذى به ادعى لنفسه من القدرة مكذبا بما جعل لمنع مثله الأدلة ، ومن ذلك وصفه ، فهو غير حكيم ، جل الله عن هذا.
على أن المتأمل بما أخبر (٤) يجد حقيقته دون أن يحتاج إلى دليل يوضح قدرته على ما ادعى على بقاء المحنة سبيلا سهلا بحمد الله لا يحتاج إلى ما ذكروا من المكابرة ، وهو ما قال الله ـ تعالى ـ : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً ...) الآية [الزخرف : ٣٣].
__________________
(١) في أ : ذلك.
(٢) في أ : بالحجة.
(٣) في ب : كذلك. ولعل في الجملة سقطا بعد «جميع».
(٤) في أ : اختبر.