وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) أي : جاء ما أمر به كما يقال : جاء وعد ربنا ، أي : جاء موعود ربنا ؛ لأن وعده وأمره لا يجيء ، ولكن جاء ما أمر به ووعد (١) به وهو العذاب ، أو نقول : جاء أي أتى وقت وقوع ما أمر به ووعد ، وهو العذاب الذي وعد وأمر به ، والله أعلم.
(نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) : بنعمة منا أو بفضل (٢) منا ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) قيل : الخزي هو العذاب الذي يفضحهم ، وقيل : كل عذاب فهو خزي ، أي : نجاهم من خزي ذلك اليوم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) قيل : القوي : هو الذي لا يعجزه شيء ، والعزيز هو الذي يذل من دونه ، وقيل : القوي هو المنتقم المنتصر لأوليائه من أعدائه ، والعزيز : هو المنيع في ملكه وسلطانه الذي لا يعجزه شيء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) : قيل : عذابهم كان صيحة صاح بهم جبريل ، وقيل : الصيحة الصاعقة وكل عذاب فهو صيحة ، لكن لا ندري كيف كان ، أو أن يكون عذابهم (٣) قدر صيحة لسرعة وقوعه بهم ، أو يسمى ذلك العذاب صيحة لما رأوه ما يصيحون فيما بينهم أو ما ذكرنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ) : قال هاهنا : ديارهم ، وقال في سورة الأعراف : دارهم ، والقصة واحدة. قال بعضهم : دارهم قراهم ، وديارهم منازلهم ، ولكن هو واحد أصبحوا جاثمين في دارهم ومنازلهم سواء.
وقوله : (جاثِمِينَ) قيل : خامدين موتى وأصل قوله : (جاثِمِينَ) أي : منكبين على وجوههم ، يقال : جثم الطائر إذا انكب على وجهه مخافة الصيد ، وقد ذكرناه فيما تقدم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها) قيل : كأن لم يعيشوا فيها (٤) ، وقيل : كأن لم يسكنوا فيها ، وقيل : كأن لم يعمروا فيها ، وأصله أنهم صاروا كأن لم يكونوا فيها لما لا يذكرون بعد هلاكهم ، فصاروا من حيث لا يذكرون كأن لم يكونوا ، وأما الأخيار والأبرار فإنهم وإن ماتت أبدانهم وصارت كأن لم تكن ففي الذكر كأنهم أحياء حيث يذكرون بعد موتهم.
__________________
(١) في أ : وما وعد.
(٢) في ب : وبفضل.
(٣) في ب : عقابهم.
(٤) أخرجه ابن جرير (٧ / ٦٧) (١٩٣٠٩) عن ابن عباس ، (١٨٣١٠) عن قتادة.