لأنه إذا اتقى كل شر ومعصية عمل كل خير وبر ، وإذا كسب كل خير وبر اتقى كل [معصية وشر](١) ؛ وعلى ذلك يخرج الشكر والصبر : الصبر هو كف النفس عن كل مأثم ، والشكر هو استعمال النفس في كل طاعة ، هما أيضا في العبارة مختلفان وفي الحقيقة واحد ؛ لأنه إذا كف نفسه من كل مأثم استعملها في الطاعة ، وإذا استعملها في الطاعة كفها عن كل مأثم ومعصية ؛ وعلى ذلك يخرج الإسلام والإيمان : الإسلام هو تسليم النفس [الله](٢) خالصة سالمة لا يجعل لغيره فيها حقا ، والإيمان هو أن يصدق الله بالربوبية في نفسه وفي كل شيء ، وهما في الحقيقة واحد وفي العبارة مختلفان ؛ لأنه إذا جعل نفسه وكل شيء سالما [لله تعالى](٣) أقر بالربوبية له في نفسه وفي كل شيء ، وإذا صدقه وأقر له بالربوبية في نفسه وفي كل شيء جعلها لله ، وكل شيء له.
هذه أشياء في العبارة مختلفة وفي التحصيل واحد.
ثم قوله : (اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا) : جائز أن يكون جواب قوله : (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي) آمنه عما خاف وطلب منه المغفرة والرحمة.
والثاني : السلام له منه هو الثناء الحسن ؛ كقوله : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) [الصافات : ٧٩].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ) : يحتمل أن يكون جواب قوله : (أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً) ، والبركة هي اسم كل خير لا انقطاع له ، أو اسم كل شيء لا تبعة له عليه فيه.
ثم قوله : (بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ) ، على قول بعض أهل التأويل : ذلك السلام ، وتلك البركات في الدنيا : السلام لما سلموا من الغرق والبركات ما نالوا في الدنيا من الخيرات والمنافع.
وعلى قول بعضهم : السلام والبركات جميعا في الآخرة.
ثم جعل عزوجل المؤمن والكافر مشتركين في منافع الدنيا وبركاتها ، وجعل منافع الآخرة وبركاتها للمؤمنين خاصة بقوله : (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف : ١٢٨] ، وبقوله : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) [الأعراف : ٣٢] ثم قال : (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) [الأعراف : ٣٢] أشرك المؤمن والكافر في زينة الدنيا ، ثم جعل [للمؤمنين خالصة](٤) يوم القيامة ، فذلك قوله : (وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَ
__________________
(١) في ب : شر ومعصية.
(٢) سقط في ب.
(٣) سقط في ب.
(٤) في ب : خالصة للمؤمنين.