الْكافِرُونَ) [يوسف : ٨٧].
ويحتمل قوله : (إِنَّهُ لَيَؤُسٌ) في حال ذهاب النعمة ، والكفور في حال النعمة والسعة ، كفور لما رأى نزع ذلك المال والسعة منه جورا وظلما فهو كفور.
وعن ابن عباس قال : (وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ) يعني الكافر (١) ، (مِنَّا رَحْمَةً) يقول : نعمة العافية وسعة في المال وما يسر به ، (ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ) يعني الرحمة (إِنَّهُ لَيَؤُسٌ) يعني قنوط آيس وأقنطه من رحمة الله ؛ وهو كقوله : (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ) [الروم : ٣٦].
(وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ) : الفرح هو الرضا ؛ كقوله : (وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) [الرعد : ٢٦] أي : رضوا بها.
وقيل الفرح : البطر يبطر في حال السعة والرخاء ؛ كقوله : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) [القصص : ٧٦] ، والفرح قد يبلغ كفرا ، ويكون الفرح سرورا ولا يكون كفرا.
فخور : يفتخر على الفقراء بالمال الذي أعطي ، أو يفتخر على الأنبياء والرسل بالتكذيب ، وكذلك كان عادة رؤسائهم أنهم كانوا ذوى مال وسعة ، فلا بد يرون الرسالة تكون فيمن دونهم في المال والسعة ؛ كقولهم : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] ؛ وكقولهم : (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) [سبأ : ٣٥] ونحوه.
ويحتمل قوله : (لَيَؤُسٌ) في حال الشدة ، كفور لله في نعمه [في الرخاء وأصل ذلك](٢) أنهم كانوا لا ينظرون في النعم إلى من أنعم عليهم ، إنما ينظرون إلى (٣) أعين النعم وأنفسها ؛ لذلك حملهم نزع ما أعطوا منهم على الإياس والقنوط ، وإعطاؤها إياهم على الكفران والفرح والفخر ، ولو نظروا في تلك النعم إلى المنعم لم يقع لهم إياس عند النزع ، ولا الكفران والفرح عند النيل ، بل يصبرون عند النزع من أيديهم ويشكرون للمنعم عليهم في حال النيل.
ثم استثنى فقال : (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) : قال بعض أهل التأويل : [إلا الذين صبروا على البلايا والشدائد وعملوا الصالحات يعني : الطاعات ويشبه أن يكون
__________________
ـ وأما انتقال الإنسان من المحنة إلى النعمة ، فالكافر يكون فرحا فخورا ؛ لأن منتهى طبع الكافر هو الفوز بهذه السعادات الدنيوية ، وهو منكر للسعادات الأخروية.
ينظر اللباب (١٠ / ٤٤٥).
(١) ذكره الرازي في تفسيره (١٧ / ١٥٣) ولم ينسبه لأحد ، وكذا أبو حيان (٥ / ٢٠٦).
(٢) في أ : والرخاء وأصله ، وذلك.
(٣) في أ : على.