وقل تفكره في أمر عاقبته مما ينزل به أو يشينه ، وقد ركبت هذه الشهوة في كل البشر ، فخفف الله عقوبته في الابتداء أن جعل فيه الحبس والإمساك في البيوت ، ثم صار ذلك إلى الضرب ؛ لما أن تحرج الناس وعظم ذلك في أعينهم ، وجعل في الشتم به الحدّ ؛ ليعرفوا عظم موقعه عند الله وينتهوا عن فعله ، وقد جعل في ذلك في بعض الأحوال الرجم ، وهي الحال التي يزول فيها كل وجوه العذر ، ويرتفع جميع معاني الشبه لعظيم أمره.
والثاني : أن السبب الباعث على ذلك قرب بعض لبعض ، ومخالطة بعض ببعض على عظم الشهوة ؛ فغلب عليهم الأمر ، واستعدتهم الشهوة حتى واقعوا ذلك.
ثم في الحبس وجهان :
أحدهما : الكف عن المعنى الذي يدعو إليه من الاختلاط (١) وتلاقى الأبصار.
والثاني : ما فيه من فضل ضجر وتضييق الحال ؛ إذ جعل ذلك إلى الموت ، فيكون في ذلك عقوبة من حيث الضجر ، ومعونة على الكف عنه بالحبس حتى لا يقع بصر ذكر على أنثى وأنثى على ذكر.
والثالث : أن يكون في الحبس ترغيب الأرحام في الحفظ وإلزام القرابة بعض ما يزجر عن تضييع حقوق الرحم ، ويدعو إلى القيام بالكفاية ؛ إذ ضيق على الفاعل ذلك ، وذلك يوجب قبل المواقعة الاستعلام عن الأحوال والجهد في الحفظ ؛ إذ في ذلك بعض عقوبة أهل الاتصال من تكليف الإمساك والقيام بالكفاية ؛ فيكون أبلغ في العفاف ، وأقرب إلى الصلاح ، وعلى مثل ذلك جعل أمر المعاقل ؛ ليقوم أهل الصلاح في كل قبيلة في كف أهل الفساد عن الفساد ، والله أعلم.
ثم لما انقطعت العادة وقام الناس بالتعاهد ، وتفرق الفريقان حتى لا يؤذن بالاجتماع ، إلا أن يكون ثمّ من جبل على الإياس من ذلك وأنشئ على قطع الشهوة فيهن ، فجعل في ذلك حد ، وجعل في ذلك لهن سبيلا ، وذلك ـ والله أعلم ـ يخرج على أوجه ، يجب التأمل في الوجه الذي سمى ما نسخ به اللازم في ذلك ، وذكر فيما ذكر حد مرة ورجم ثانيا ، ومعلوم أن المجعول له السبيل ، والرجم والحد أشد عليهم من الحبس ، وقد روي عن نبي الرحمة صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «خذوا عنّي ، خذوا عنّي ، قد جعل الله لهنّ سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثّيّب بالثّيّب يجلد ويرجم» (٢) فهو ـ والله أعلم ـ أن بهذه الشريعة خلى سبيلهن ، لا أن أوجب على المحبوسات إقامة ذلك بما قد حبس بالزنا ،
__________________
(١) في ب : الاختلاف.
(٢) تقدم تخريجه.